أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: موقع الطائفة الاسلامية الشيعية في لبنان والعالم العربي الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 11:34 pm | |
| موقع الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان والعالم العربي
إن الشيعة كانت في لبنان منذ أن كان، عمرت سهوله كما عمرت الجبال، وعصمت جنوبه كما شرقه والشمال.. عاشت معه في السراء والضراء، فسقت تراب لبنان من دم، كما رفعت في سمائه، الوية مجد. شاركت في اخضراره، فلم يعتب الجمال، وقادت ثوراته فلم تعتب السيوف، وبذلت حتى تعبت الحتوف. إن مدارس العامليين وكتبهم خلال عشرة قرون، هي مكاتب لبنان. نظرة سريعة إلى التاريخ، نرى الخدمات التي قدمتها هذه الطائفة من أيام العامليين الحمدانيين ودولة بني مرداس وبني عمار في طرابلس والشمال ومكتبتهم المعروفة بأنها كانت تحوي مليون كتاب. في الحقيقة، أحسن شيء يجمع هذه الأمور محاضرة للدكتور محمد علي مكي، وسأعطي مقتطفات منها عن دور الحمدانيين وبني مرداس وبني عمار وثقافتهم التي أفادت الحضارات وعمران صور. وكما يبين في بعض المناطق، تطورات صور العمرانية، سياسة أبنائها وشجاعتهم المذهلة، وصلابة جبل لبنان وتنقلات الشيعة القاسية فيه خلال القرنين العاشر والحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر، مواقفهم الحاسمة ضد الصليبين، صلابتهم النادرة أمام الإضطهاد المملوكي، وفي المجازر الرهيبة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر. هذه صفحات من تاريخ الشيعة جعلت بينهم وبين لبنان ميثاقا عميقا وأبديا لا يتنازلون عنه ولا يتنازل هو عنهم، لأن مسألة كل منهما حيال الآخر مسألة مصير. وبعد تلك الأمجاد تحركت عهود الإستعمار والإستبداد فشردت شبابهم وأفقرت أراضيهم وهدمت مدارسهم وخلقت لهم من مناطقهم سجونا" ومن حياتهم شجونا وبقي الأمل في ليلهم المدلهم الذي تجاوز قرونا وقرونا. ثم طلع الفجر وتحقق الأمل وجاء الإستقلال يمسح الجروح ويرفع كرامة المواطن ويمنح الحرية والعدالة ويجند طاقات الإنسان ليساهم في بناء وطنه ورفع مستواه، وبالتالي يشترك مع إخوانه في عطائه القومي ومشاركته الإنسانية. وأخلص الشيعة لهذا الوطن وبدأوا يعملون فيه بكل اهتمام ودقة. واختار اللبنانيون الديمقراطية نظاما لا يقبلون عنها بديلا. ثم لاحظوا أن المناطق اللبنانية مختلفة جدا في المستويات الثقافية والعمرانية والإجتماعية وكأنها بلاد تتفاوت حضارتها، وهذا يعني أن الفرص غير متكافئة ونظام التزاحم غير عادل.
وبنتيجة هذه العوامل، لاحظوا أن العدالة الإجتماعية ستبقى خيالا في الخاطر، ووحدة الوطن شعارات تطلق في الأعياد والمناسبات، والتمنيات. أما الفروق بين المناطق والطوائف فتزداد يوما بعد يوم كما هو الحال بين الدول الصناعية والنامية مما جعل العالم يواجه اليوم أصعب مشكلة إنسانية يعهدها.
ومما يزيد من عمق المشكلة في لبنان أن الناس تعودوا خلال تاريخهم الطويل أن يعيشوا فئات، عائلات أو طوائف.
لأجل ذلك كله، ولان المناطق كانت منقسمة بصورة تقريبية بين الطوائف، قرروا نظام التقسيم الطائفي في هيكل الحكم وفي خيرات الوطن، واتفقوا على ذلك ضمن ميثاق وطني مؤقت إيمانا منهم بأن هذه الطريقة هي الضمان المناسب للعدالة الإجتماعية بين أبناء الوطن الواحد في مرحلة التأسيس.. مرحلة الإنطلاق.
هكذا نفهم، بأقصى درجات التفاؤل وفي أفضل تفسير للأحداث، معنى النظام الطائفي في لبنان وقد سبق وعرفنا التفسيرات الأخرى التي ترد لدى الكثير من الباحثين والأيام أثبتت صحتها.
ومرّ ربع القرن، أي عمر جيل هذه التجربة الفريدة في العالم، وهذه المدة كانت كافية لتقييم النتائج رغم قصرها في عمر الأوطان.
بدأ اللبنانيون خلالها عموما" وأبناء منطقة الجنوب والبقاع بوجه خاص، بتحمل مسؤولياتهم الوطنية مستفيدين من ظلال الديمقراطية والحرية والإستقلال ليمارسوا نشاطهم الحياتي في نطاق هذه المثل العليا الكريمة. والشيعة الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من هاتين المنطقتين، أصبحوا يعتقدون أن عهود الإستعمار والإحتقار والتصنيف وطمس الحقائق قد ولت، وأن عليهم أن يتحركوا من أجل خلق حياة أفضل لهم ولأولادهم ومن أجل وطن عزيز كريم مستقل. فكان الإتجاه أولا نحو الزراعة، فحولوا القطاع الساحلي في الجنوب إلى بساتين غنية تشكل رقما قياسيا في الدخل القومي، وحولوا سهول البقاع إلى مزارع لا مثيل لها في الشرق، وبقيت المناطق الجبلية التي لا ترتوي بالماء فزرعت بالتبغ وبمختلف المحصولات البعلية. وانتقلت النخبة منهم إلى المدن، إلى العاصمة لأجل العمل فشارك عشرات الألوف منهم في حقول العمران والمصانع والسياحة والبلديات والميناء والمطار والمسلخ. في حين هاجر الطامحون منهم إلى البلاد العربية الشقيقة وإلى إفريقيا الغربية وإلى أميركا اللاتينية وأستراليا. هاجروا دون توجيه أو حماية عسكرية أو سياسية أو قانونية سوى حماية خلقية وأصالة شخصية، وتجاوز عددهم خلال هذه المدة مائة ألف مهاجر يعملون بجهد ويعيشون في تقشف على أمل العودة.
الإقبال على التعليم كان شديدا، فالآباء يعملون ويتحملون الأشقى من الأعمال كي يوفروا المال اللازم لتعليم الأبناء حتى المستويات النهائية.
والأبناء والبنات يتلهفون إلى المدارس، وكانوا يقطعون في بعض الحالات ويوميا بضعة كيلومترات ليصلوا إلى المدرسة.
ويزداد العدد، ففي العام الدراسي 1966 ـ 1967 زاد عدد الطلاب في الجنوب ثلاثين بالمئة، وأصبحنا لا نجد اليوم بين الأجيال الطالعة إلا ثلاثة بالمائة من الأميين بدلا من سبع وأربعين بالمائة قبل خمسة عشر عاما. واشترك الكثير منهم في الوظائف فكانوا نماذج للإخلاص والجد ونزاهة الكف وكان منهم الخبراء والإختصاصيون الكبار.
والرغبة في الإنضواء في سلك الجيش والأمن الداخلي كانت جامحة عندهم، وبرغم الموانع التي تقف في طريقهم بحجة عدم التوازن نشاهد ارتفاع المعدل لديهم فكانوا في طليعة المناضلين والأشداء في سبيل الدفاع عن الوطن وعن أمنه وقدموا ضحايا كثيرة حتى في سلاح الطيران. وكان السعي في الإعلام والمكتبات والفن والرياضة والتعلم وفي مختلف الإختصاصات الحرة من طب وهندسة ومحاماة وغيرها.
إن هذا الإندفاع كان بحاجة إلى رعاية الدولة وحماية الوطن لكي يجعل المستويات المتباعدة بين المواطنين متقاربة، ويصب الطاقات الخيرة في خدمة منسقة للوطن ترفع من شأنه ومنع تعرضه للأذى من الخارج أو التمزق من الداخل. هكذا كنا نفهم الطائفية في النظام الديمقراطي.
كل هذه الأمور دليل على أن الشيعة التزموا بواجباتهم الوطنية تجاه لبنان بكل قوة وأعطوا كل ما يملكون في هذا السبيل.
لكن المبادرات هذه لم تلق الأصداء المطلوبة لدى المسؤولين منذ بداية الإستقلال، وكانت دائما تصطدم بعراقيل وموانع نابعة من الإهمال والإلتهاء بالمصالح الخاصة، تصطدم بنوايا سيئة ومبيتة لخلق اليأس والجمود والإتكالية والإستزلام وسيطرة الإقطاع على البلد الطيب العريق الذي يعيش فيه شعب هو من أرقى الشعوب في العالم ويملك تاريخا قل ما يوجد لدى شعب آخر أو أمة اخرى.
نذكر في هذه المحاضرة نماذج من الضروري جدا أن يعرفها الحركيون. إنها ليست تفاصيل فنية ولكن دراسات دقيقة وملخصة.
نذكرها على سبيل المثال لا الحصر تدليلا على المطلب وشهادة حق لمصلحة المعذبين في هذه الجنة، جنة الله على الأرض ـ لبنان.
في حقل الزراعة: الأرض الواسعة التي تتجاوز ثلثي الارض الزراعية في لبنان وهي من أحسن الأنواع وأخصبها، كانت موجودة، واليد العاملة مستعدة والخبرات التجريبية والفنية متوفرة ولكنها تحتاج الى الماء. الماء هذه النعمة الإلهية التي منحها الله تعالى لبلدنا الطيب بكميات كبيرة تبلغ احد عشر مليار مترا مكعبا في السنة ولكنها تهدر في البحر عدا ستماية مليون مترا مكعبا منه فقط.
هذا الماء كان موجودا في البقاع والجنوب، فكانت الحاجة إلى مشروع الليطاني وإلى إقامة سد على نهر العاصي وإلى تنفيذ بحيرة اليمونة وإلى إنشاء السدود في وادي سباط ـ جنتا، يحفوفا وشمسطار وإلى مشاريع مياه في مرجحين، جباب الحمر، اللبوة وحوش تل صفية وإيعات وغيرها.
أسست مصلحة الليطاني سنة 1954 وصرفت أربعمائة مليون ليرة لبنانية ولم توضع دراسة شاملة للري بل العكس حولوا ثلاثماية مليون مترا مكعبا من نهر الليطاني الى نهر الأولي لأجل مشاريع الكهرباء وبذلك حرموا الجنوب منها.
وكان المستعمر الفرنسي قد أسس سنة 1932 بداية السد في العاصي وبدأ بقناتي الهرمل والعين ثم تجمد كل شيء حتى عام 1964 حيث وضعت الإعتمادات اللازمة للدراسة لكي تتجمد مرة أخرى، وتبقى الأرض الخصبة في المنطقة بائرة ويبقى الناس هناك في فقر وعذاب وشقاء يهاجرون إلى المدن ويتقاتلون فيما بينهم ويرحل الأمن والسلام ويستقر التخلف والحرمان. وهكذا كان مصير المشاريع الأخرى، واستمر هدر مليارات أمتار المياه إلى البحر، تأخذ معها التربة والخصوبة، فتصبغ البحر وتؤكد للعالم عدم صلاحية المسؤولين عن الحكم، وتعطي للعدو حجة دامغة لإدانتنا وللطمع في أرضنا ومياهنا.
وكان الزرع الغالب في الجنوب، بسبب عدم وجود المياه، التبغ، ومأساة التبغ دامية وحزينة: يعمل الفلاح مع جميع أفراد عائلته خلال السنة الكاملة لكي يفرض عليه الكم والنوع والسعر، وتتحكم فيه " الريجي " وتحتقره وتصنفه بدلا من تصنيف التبغ، لكي يلجأ إلى الوسطاء لاخذ حقه المشروع. أما إذا طالب بحقه بدون واسطة فجزاؤه الطرد والحرمان وفي بعض السنوات الرصاص.
وإليكم بعض معالم هذه المأساة بالأرقام:
ـ ثلاثمائة ألف مواطن ترتبط حياتهم بزراعة التبغ. ـ يساهم مزارعو التبغ بأكثر من أربعين مليون ليرة في الدخل القومي. ـ كلفة الكيلو غرام من التبغ من وقت استلامه من المزارع إلى وقت وصوله إلى ظهر الباخرة في لبنان 5,50، ليرات وفي تركيا او غيرها 1,30 ليرة، وذلك لأجل النفقات الإدارية الباهظة التي يتحملها المزارع. ـ معدل الهدر عند الفرز في العالم 8 إلى 12 بالمئة، وفي لبنان يبلغ 28 بالمئة. ـ معدل الزرع في العالم من 8 إلى 13 دونما وفي لبنان 1,80 دونما وهكذا يعرف سبب الخسارة التي يدعونها في شراء التبغ من المزارع ويمننونه. اسعار التبغ في العالم ارتفعت سنة 73 بين 30 بالمئة وإلى 50 بالمئة ومع ذلك ففي لبنان زاد السعر في هذه السنة للمزارع 5 بالمئة وفي سنة المأساة 1972 ورغم زيادة السعر في العالم خفض السعر 2 بالمئة ـ قدر معدل الإنتاج لدونم واحد في الجنوب بين 90 و 110 كيلوغراما وفي الشمال قدر هذه السنة 440 كيلوغراما. ـ وقد اطلعتم من خلال الصحف على التفاوت في الأسعار وفي المعاملة وفي النوعية وعلى الأوضاع التي تهدد كيان هذا الزرع من أساسه في لبنان. وفي حقل الزرع أيضا لا بد من أن نضيف مشكلات التسويق الذي يمارسه المسؤولون، رغم وجود مؤسسات كبرى مع موازنات كثيرة لأجل تسويق الحمضيات والموز والتفاح والحبوب ومشكلات بيع الخضار وبصورة خاصة الشمندر.
وإذا أضفنا إلى هذه اللوحة المأساوية عن وضع المزارعين، ذلك البعد الدامي الذي يرتسم في كل يوم وفي كل إسبوع ست مرات بواسطة العدو الاسرائيلي على أرض الجنوب فيمنع المزارعين من جمع محصولهم.
وإذا أضفنا إلى ذلك محنة الغلاء المثقل المتزايد، تكتمل الصورة.. أما العامل الذي رأيناه يترك قريته لكي يؤمن قوت أهله ونفقات دراسة أولاده، فانه يعيش في ضواحي بيروت في ظروف قاسية لا تتناسب مع مستوى لبنان الحضاري، بل لا مثيل لها في أكثر البلدان المتخلفة.
بيوت مزدحمة، دون تنظيم، وفي أحياء محرومة من الكهرباء والماء ومن المدارس والمستوصفات والطرق والمجارير... يسكنها ثلاثمائة وخمسون ألف عامل تقريبا والتدبير الرسمي الوحيد هو وضع تخطيط ورسم شوارع متقاربة لكي تقضي على البيوت بصورة نهائية.
وعندما أردنا المبادرة بالتعاون مع سكان حي ظهر الريحان بالحدث؛ حيث أقيمت كلية العلوم من الجامعة اللبنانية، وبالتعاون مع الخيرين من إخواننا بنينا قرية نموذجية ومساكن شعبية بلغت أربعمائة وستين بيتا، وعندما سعينا لإسكان الناس وتسهيل مهمة بناء الجامعة جاءت تدابير تمنع السكان من الماء والكهرباء وغيرهما من ضرورات الحياة جزاء لهذه المبادرات.
وأصعب ما في هذا الحقل هو إفراز هذه الأحياء مئات من المشردين يجوبون شوارع بيروت يشكلون المجال المناسب لمختلف الجرائم رغم ذكائهم الفطري بلغ عددهم سنة 68، الفا ومائة طفل.
أما المهاجرون فان لقمتهم المغموسة بالدم والعرق والغربة كانت تطعم القريب والغريب، وجهدهم المتواصل كان يصرف في سبيل عمران العاصمة والقرى ونجاحهم الجزئي 4 بالمئة فقط كان مستورا، وكانوا يخفون حنينهم ومأساة أولادهم الذين كانوا يجهلون آباءهم وأمهاتهم. كل ذلك لكي يؤدوا واجبهم الوطني.
وقد أهملهم الوطن، حاشا الوطن، لقد أهملهم المسؤولون لا من حيث الحماية أو التمويل أو التسهيلات الجمركية أو الضريبية وغيرها، لا. لا. بل حرموا من أبسط المسؤوليات الحكومية تجاه المواطن في الخارج، وإليكم بعض الأمثال: لقد صرح لي رئيس وزراء غينيا أن رحلة واحدة من أحد المسؤولين اللبنانيين إلى غينيا كفيلة بخروج عشرات من اللبنانيين المقيمين هناك من السجن كما حصل ذلك بالنسبة لرعايا فرنسا والمانيا الغربية عندما اعتقلوا بنفس الإتهام.
ومع ذلك لم يسافر أحد وبقي هؤلاء سنوات في سجون بلاد الاغتراب. والآن يعاني مئات من اللبنانيين في جمهورية إفريقيا الوسطى أشد أنواع الإضطهاد والحجز ولا يخرج أحدهم إلا بدفع مئات الألوف ومصادرة أمواله، والرئيس بوكاسا ينتظر مبادرة رسمية من الحكومة والألوف من شبابنا وعائلاتهم ينتظرون دون جدوى.
أما مأساة الجالية في كنغو كينشاسا فقد انتهت بمبادرة شخصية من مواطن انتظر طويلا برقية رسمية أو مراجعة أو رحلة من بيروت. ثم اتفق مع الرئيس موبوتو بعد إنهاء المشكلة بأنه سيسعى لإقامة سفارة لبنانية هناك شأن الدول العربية الأخرى، ولكن الوعد لم ينفذ بل القنصل الفخري يستنيب وكيلا له والوكيل ينيب عنه وكيلا" آخر يرعى شؤون الجالية اللبنانية ـ وهو يهودي ـ.
والوضع في أغلب المهاجر من جهة الادارة القنصلية سيء للغاية إذ لا يوجد أكثر من شخص واحد لعشرين الف لبناني في إقريقيا الغربية.
هذا والاوضاع الاجتماعية تتغير بسرعة في بلاد الاغتراب وهذه تستدعي الحضور الدائم الذي يحل محله الان غياب دائم والمأساة.
وأترك البحث عن وضع المهاجر بعد عودته كالمحارب المنتصر العائد، أترك هذا البحث الحزين لفرصة أخرى رغم أني قدمت دراسة مفصلة لمعالجة وضع الهجرة في محاضرة موضوعية مفصلة في بلدة مزيارة منذ أربع سنوات. وفي سبيل التعلم كان يعاني أبناؤها فقدان المدارس رغم أن بعضهم كان يقطع بضع كيلومترات للوصول إلى مدرسته في الشتاء والصيف.
وكان من المقرر أن تبنى ثمانون مدرسة في الجنوب خلال الخمس سنوات التي انتهت في سنة سبعين شرط تقديم كل قرية أرضا مناسبة لوزارة التربية الوطنية. ونفذوا الشروط وتنازلنا في بعض القرى عن الأوقاف مقابل ايجار رمزي ومرت السنوات الخمس ولم تكن النتيجة سوى نصف مدرسة.
وفي كثير من القرى تسمى غرف متباعدة مستأجرة من قبل أهل القرية مدرسة ناهيك عن التجهيزات غير اللائقة.
وكانت المدارس الخاصة في المناطق وفي بيروت وبنتيجة عدم توفر المال اللازم كانت ولم تزل المستويات منخفضة رغم جهاد أصحابها وجهودهم. والآن وأمام حلم تجميع المدراس فاننا نشعر بكل صراحة ودون عقدة أن مستقبل أبنائنا مهدد ومستواهم الدراسي في الأغلب غير متناسب مع طموح اللبنانيين.
أما عن الموظفين وحرمانهم من حقوقهم ومن مراكز مرموقة ومن عدم اعتماد المسؤولين على الكفاءات بل على المحسوبيات فحدث ولا حرج حيث أننا نشعر بتصنيف فاضح واحتقار في هذا المجال الحيوي جدا، هذا المجال الذي يشكل مفتاحا لمختلف مجالات التنمية والخدمات.
إن الدراسة الصحيحة التي كانت من المقرر أن تقدم في هذا اليوم أصبحت مستحيلة حيث امتنع مجلس الخدمة المدنية من تزويدنا بها رغم أن قانون تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ينص على صلاحية المجلس للمراقبة، وقد بقيت رسالة المجلس الموجهة إلى مجلس الخدمة بتاريخ 24/ 12 /72 بلا جواب بانتظار موافقة رئيس مجلس الوزراء.
ولكن في حدود المعلومات المتجمعة لدينا تبلغ نسبة الحرمان في الفئة الثانية 63 بالمئة وفي الفئة الثالثة 88 بالمئة والوضع في المؤسسات التابعة للدولة والشركات المتأثرة بمراقبتها أمر وأدهى.
| |
|
أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: رد: موقع الطائفة الاسلامية الشيعية في لبنان والعالم العربي الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 11:35 pm | |
| أما في الفئة الأولى فقد صدرت تشكيلات مؤخرا أعطت من حيث الكمية نسبة عالية للطائفة ولكنها غير كافية وهي تعالج الدوائر الحكومية فقط دون المصالح المستقلة والمؤسسات العامة والتابعة، ودون أجهزة الأمن كالجيش وقوى الأمن، ودون المحافظات.
يبقى حقل العلماء الاختصاصيين من أبنائنا فهو في محنة مشتركة وفي مصيبة عامة فلا مجال للكفاءات إذا لم تسخر لرغبات الإقطاع، وها نحن نجد أمام أعيننا خيرة شبابنا الذين استهلكت دراساتهم العالية حياة أهلهم وآمال السنوات يتركون الوطن واحدا تلو الاخر لانهم يرون قسوة الامل في البلاد بل الغربة في الوطن أمر وأصعب.
مر ربع قرن من عهد الاستقلال وفي إطار النظام الطائفي الديمقراطي، وأعيد النظر في الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي من قبل بعض أهل الرأي من أبناء الطائفة الإسلامية الشيعية، وكانت النتائج تؤكد أن التفاوت بين أبناء وطن واحد قد ازداد وان العدالة لم تزل حلما يدغدغ الخيال.
فقالوا إن السبب هو غياب الطائفة عن مسرح الأحداث وعن مائدة الخبرات والوظائف والموازنات؟
وقالوا إن النواب يمثلون مناطقهم رغم انتخابهم الطائفي، والمناطق اللبنانية مختلطة، وان النواب يمثلون بعد الانتخاب الوطن كله في النظام البرلماني. وقالوا أن الطوائف الأخرى كل منها تتمثل بمجلس مركزي أعلى يمثلها وأن الشيعة بحاجة إلى مجلس أعلى لكي تعالج هذا التصنيف الطائفي.
وقالوا إن الذين كانوا ينادون بتأسيس مثل هذه المؤسسة كانوا على حق. وبعد بحث طويل وصراع مرير ورفض الطوائف عروض تأسيس مجلس واحد مشترك ولد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بعد مخاض عسير وفي 17 ايار 1996. وهذه المؤسسة تأسست تحت ضغط الناس، مظاهرات الناس، برقيات الناس، لذلك فإن واقع هذه المؤسسة هو تجسيد دماء الناس، وآمال الناس، وآلام الناس، وطموحات الناس.
وعانى منذ ولادته الصعوبات من الداخل واتهامات من الخارج وظروفا وطنية لا ننساها، راجيا عدم عودتها، حين بقي البلد سبعة أشهر بدون وزارة. ولد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مبتور الصلاحيات، فاقد الموازنة، مطعونا في نظامه الداخلي، مجمد الصلاحيات حتى اليوم في أدراج مجلس النواب وهو لم يزل في طور التأسيس يشق طريق المجهول بصعوبة، يعود نفسه وطائفته على الاقتناع بوجوده وببقائه وبإبعاد صلاحياته، مكتوف اليدين لا يمكنه ان يتصرف في الاوقاف ولا في الشؤون الدينية ورجالها، تعصف به الرياح من هنا وهناك، يحس بتناقضات ومطامع من الداخل وبالاغراءات والاضطهاد من الخارج. مع ذلك كله " والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " استمر في الجهد والبناء والاحصاء والتجول والتحرك وقد سمعتم في تقرير الامين العام بعضا من نشاطاته حتى يمكننا القول انه نجح متحديا في حقول اربعة من واجباته الخمس وهي: تنسيق جزئي لطاقات أبنائه، تنظيم لعلاقات الطائفة مع الطوائف الشقيقة اللبنانية، تصحيح علاقات الطائفة مع أبنائها في الخارج، والمساهمة الذاتية في رفع مستوى أبنائه في ميادين الثقافة والتربية وتعليم المهن وإبراز وجهها الحقيقي للمواطنين وللعالم وفي المشاركات الوطنية والقومية.
أما في حقوق الطائفة في الوظائف والمناطق فعلى الرغم من ان الدراسات والاحصاءات أكدت مزيدا من الحرمان المعروف، وعلى الرغم من جهد سنوات أربع في الدراسة والمطالبة والإصرار والمقابلات والوعود والإعترافات والمحاضرات وتشكيل لجان المتابعة وغيرها. على الرغم من كل ذلك، لم يتمكن المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى بهذه الوسائل من أن يخطو خطوة واحدة في سبيل تحسين الوضع رغم أن هذه المهمة هي أولى مهماته وأنها الغاية الأصلية من وجوده.
لم يتمكن مجلسنا من العمل ـ باستثناء ما سمعتم عن الاضراب المؤدي الى تأسيس مجلس الجنوب والذي استعمل فيه الاسلوب الاخر ـ ونتيجة عدم تمكنه بدا اليأس على ابناء الطائفة وبدأ يذوب المجلس ويتجمد وكان معرضا لان يصبح مؤسسة شكلية تزين مجالس الحكم وتكمل زينة البلاد والطقوس الفارغة التي تخدر أحيانا وتغضب المحرومين دائما.
وفي بداية السنة الخامسة من عمر المجلس أي في ايار 1973 وبعد مرور تجربة فاشلة عمرها أربع سنوات وبعد اقتناع أعضاء المجلس ورئيسه واقتناع الطائفة بعدم نجاح المطالبة والإلحاح والمقابلات والإحصاءات ومناشدة الضمائر وتحت ضغط من الإيمان والضمير ونداء من الوطن ومطالبة من المحرومين، ولدت حركة المطالبة بأسلوبها الجديد. تلك الحركة التي نعيش اليوم مراحلها الحاسمة الفاصلة والتي كانت في الاساس حركة المطالبة بحقوق ابناء الطائفة في الوظائف وبعمران المناطق التي يقطنها أكثرية أبنائها ثم تحولت إلى حركة المطالبة بحقوق المحرومين.
إن هذه الحركة بدأت في الجلسة التاريخيةالتي انعقدت للهيئتين الشرعية والتنفيذية في 22 حزيران 1973 ووضعت فيها الوثيقة المشهورة التي بموجبها التزمت الاكثرية الساحقة من نواب الطائفة بالتخلي عن الحكومة اذا لم تتحقق مطالب الطائفة خلال أربعة أشهر من تاريخ نيل الثقة. وكان من الواضح أن الأسلوب السياسي إذا تم سيضع حداً قاطعاً للمشكلة حيث أن الحكم في لبنان مشاركة ولا حكومة دون إشتراك الشيعة فيها وأن كل حكومة تسقط إذا سحب نواب الشيعة ثقتهم منها. | |
|