أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: ضرورة تقيد أساليب التربية بأصول الدين لسماحة الإمام السيد موسى الصد الخميس سبتمبر 25, 2008 4:55 am | |
| الموضوع : بحث ـ ضرورة تقيد أساليب التربية بأصول الدين المكـان : القاهرة ـ 23/10/1977 المناسبـة : انعقاد المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الإسلامية المقدمـة : المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الإسلامية أنعقد في القاهرة بدعوة من الأزهر بحضور ممثلين من 56 بلداً من القارات الخمس بالإضافة إلى ممثلين عن جميع الدول العربية والإسلامية. وكان في وفد بريطاني، نمساوي، يوغسلافي، يوناني، قبرصي، سوفياتي، تنزاني، موريشس، صومالي، نيجيري، توغالي، سنغالي، سيلاني، هندي، ماليزي، إندونيسي، جزر القمر. وكان المؤتمر برئاسة شيخ الأزهر يساعده أمين عام مجمع البحوث الدكتور عبد الجليل الشلبي. جدول أعمال المؤتمر وأبحاثه تنحصر في: مشكلات العالم الإسلامي إمكانية تطبيق الإسلام لمعالجة مشكلات العصر، قضايا تربوية معاصرة، موقف الإسلام من التيارات السياسية والعقدية المعاصرة. بدأ المؤتمر عمله بإقامة صلاة الجمعة في جامع الأزهر، ثم استمرت طوال الأسبوع يوم الجمعة أيضاً. تتألف الوثيقة من 1 ـ مقدمة استهل سماحة الإمام محاضرته 2 ـ نص المحاضرة
ـ الــنـــص ـ 1ـ مقدمة المحاضرة: إسرائيل انتقمت من العرب في لبنان:
سماحة الإمام السيد موسى الصدر استهل كلمته في المؤتمر بقوله:
يختلف المؤتمر الثامن عن المؤتمر السابع بأمور عديدة. منها أننا فقدنا خلال هذه المدة، أي منذ 1972 حتى 1977 مجموعة من زملائنا : الشيخ محمد أبو زهرة، الشيخ عبد الله غوشه، الأستاذ صالح بويصير والأستاذ مالك بني يني نترحم عليهم.
ومنها أن المؤتمر السابع كان في أجواء احتلال القنال وسيناء، وكنا نزور مدينة السويس ولا نجد فيها موجوداً حياً، عدا الجنود والضباط والذين كنا نلتقي بهم في مسجد الشهداء، وكان كالقلعة الراسخة في وجه العدو محفوفاً بأكياس الرمل.
أما اليوم فإن القنال وقسماً من سيناء قد تحرر، وكذلك قسماً من الجولان، ومدينة السويس عادت إلى طبيعتها.
لم يكن هذا هو النصر الوحيد للعرب والمسلمين، بل كان بداية انتصارات لهم وهزائم للعدو الإسرائيلي، سياسية، دبلوماسية، بترولية، واقتصادية.
وكان آخرها ثقافية إيديولوجية حيث طردت إسرائيل من منظمة الأونيسكو واعتبرت الأمم المتحدة الصهيونية نوعاً من العنصرية، وهذه بداية النهاية لإسرائيل حيث أن العالم لفظها واعتبرها غريبة عن العائلة البشرية التي ترفض التصنيف العنصري.
ولذلك فإن إسرائيل انتقمت من العرب في لبنان، حيث شنّت عليه حرباً غير مباشرة وأصابت العرب ولبنان بخسائر بشرية ومادية تفوق جميع ما أصيب به الجانبان في جميع الحروب العربية الإسرائيلية.
وأضاف الإمام: ولا تزال الحرب مستعرة في جنوب لبنان حيث تريد إسرائيل فرض التعامل على أبناء الجنوب وتطمع في مياه الجنوب وتريد خلق حزام أمني لها في وجه الفلسطينيين، ولكن أبناء الجنوب صامدون يفضلون التشريد والخسائر والموت على ذلك.
وقد أصابت إسرائيل العرب بخسائر معنوية أهمها خلق فتنة طائفية وإيجاد اهتزاز في الوحدة الوطنية الأمر الذي يشكل خطراً على العرب ويؤكد الوجود العنصري لها، ولم تزل إسرائيل بالمرصاد للعرب وللمسلمين وللمسيحيين بالمرصاد، حيث أنها تستعمل أنواعاً من الحرب المتنوعة ضدهم جميعاً، وهي الآن تدعي حماية المسيحيين في الجنوب وهي الخطر الأكبر لهم، وهي تحرض وتفتن وتخلق مشاكل وتيارات حضارية وثقافية، ولذلك فإن القيادة الإسلامية تعيش اليوم أخطر مراحل حياتها. وهذه تستدعي اليقظة "الحذر والارتفاع بمستوى العصر".
ثم بدأ الإمام موسى الصدر محاضرته عن قسم المشاكل التربوية المعاصرة وحلولها وقدم المقترحات.
2ـ نص المحاضرة:
قد يبدو في الوهلة الأولى أن أساليب التربية بعيدة عن أصول الدين حيث أن الفقه الإسلامي يبحث في قسم الآداب والسنن وفي مسائل الولادة من كتاب النكاح عن تربية الطفل مثلاً، بينما الأصول هي الجذور العقيدية والثقافية للإسلام وهي الأوليات والبدايات فيه.
ولكن المزيد من التأمل يكشف أن القرآن الكريم نفسه يعتمد في تربية المسلمين أفراداً وجماعات، أسلوب التقيد بالأصول كما نشاهد خلال هذه الدراسة، كما تثبت أن فصل الأساليب التربوية من الأصول هو جزء من المأساة الكبرى لاستيعاب الإسلام وللدعوة إليه.
إن هذه الدراسة تعرض أولاً أساليب التربية المختلفة ثم تحاول اكتشاف الأسلوب القرآني وهو الترابط المتين بين الأسلوب التربوي وبين الأصول وهنا تلقي الدراسة أضواء على طريقة القرآن لعرض الإسلام والدعوة إليه، وهي طريقة تختلف كلياً عن الطريقة الأكاديمية. وتقسيم الإسلام إلى مسائل العقيدة والشريعة وتفصيل الشريعة إلى الفقه والأخلاق. ثم تقسيم الفقه إلى كتب في العبادات والمعاملات.. والسياسات والأحكام وهكذا.
وفي نهاية الدراسة نبحث عن الضرورات التربوية الحادة المعاصرة وعن بعض المقترحات لمواجهتها.
أولاً: الأساليب التربوية والأسلوب القرآني:
إن الأسلوب البدائي للتربية هو توجيه الأمر والنهي إلى موضوع التربية (المربي) ولا شك أن له تأثير محدوداً ومضاعفات سلبية أحياناً سيما عندما يستعمل العنف في سبيله وعندما لا يؤخذ وضع المربي النفسي بعين الاعتبار.
أما الأسلوب الثالث الذي يعتز به أصحاب المدارس الاجتماعية الحديثة فهو التوجه أولاً إلى البيئة بالمربي فرداً كان أو جماعة، لتصبح مناخا للهدف التربوي وليتكون تيار نحوه يسهل على المربي العمل والإقناع.
والقرآن الكريم يستعمل هذه الأساليب الثلاثة في آن معاً ويضيف أسلوباً رابعاً هو من اختصاصاته ويعتبر أنه من معجزات الإسلام تحاول المدارس الإصلاحية والثورية المتأخرة أن تقتبس منه.
إن القرآن الكريم يأمر وينهى بمختلف التعابير والوسائل، ويذكر الدليل ويعتمد على الفطرة وعلى المرتكزات الراسخة عند الشعوب وعلى العبر التي يمكن استخلاصها من الأمم السالفة ويستعمل ألفاظاً تشبه الأدلة، مثل كلمات "الطيبات والخبائث" ويذكر دائماً برحمة الله ومحبته ونعمه وعلمه بمصالح الناس كل ذلك، حتى يكون القناعة المقترنة بالمشاعر نحو الوظائف (الأسلوب الثاني).
ولقد أعلن الرسول الأعظم في خطبة الوداع "أيها الناس ما من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم عن النار إلاّ وقد أمرتكم به وما من شيء يقربكم إلى النار ويباعدكم عن الجنة إلاّ وقد نهيتكم عنه".
أما اهتمام الإسلام بتكوين البيئة الصالحة فيبدو من تعاليمه القاطعة حول وجوب إقامة المجتمع الإسلامي ومن توجيه التام من أجل مناخات ملائمة كالجماعة والجمعة والحج وشهر رمضان والأعياد ورفض التحجب عن الناس وعدم اعتزال الجماعة والمنع عن عشرة المفسدين والفسقة والعصاة إلاّ لإصلاحهم وهكذا.
ومع ذلك كله يستعمل القرآن الكريم أسلوبه الخاص الذي يمكن أن نسميه ثورة في المفاهيم أو تحولاً عميقاً في الرؤية العامة للكون والحياة وارتباط الهدف التربوي.
وعندما يرسم القرآن الكريم صورة الخلق والموجودات والحياة من خلال العقائد ومن خلال المعلومات التي تضيفها آياته البينات إلينا، فإنه يحاول خلق مناخ كوني عام في ذهن الإنسان يحس معه بأن البقاء والنجاح والخلود في الالتزام بالتوجيهات الإسلامية وان الوجود ينبذ كل فرد وكل جماعة لا تنسجم مع هذه القواعد وان الفناء والنسيان مصيرها.
في سورة الرحمن وفي آية منها نتلو: { وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ . أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ . وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (الرحمن:7ـ9). نلاحظ الربط بين عدم الطغيان في الميزان وإقامة الوزن بالقسط وبين رفع السماء ووضع الميزان الذي هو تعبير عن الحساب والنظام والعدالة الكونية.
وفي سورة آل عمران وبعد الآية {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ} (آل عمران:18). والتأكيد على قائمية الله بالقسط نجد آيات أخرى كنتيجة للآية الأولى وأوضحها {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (سورة آل عمران:21). حيث أن الإدانة لمعادي القسط ولخصوم العدالة معللة بقائمية الله بالقسط وثمرة من ثمارها.
وفي سورة الأنبياء آية 16 نقرأ {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} وفي الآية 18 نصل إلى بعض نتائج هذا المبدأ {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (آل عمران:21) .
وفي بعض المقامات ترد النتائج قبل المبادئ ومنها الآيات 26 آية 32 {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ . وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ . كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ . فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ . وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ . مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ . وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}. حيث أن فناء الذين يتركون الجنات والعيون دون أي رد فعل لأن قوم تبع كانوا أقوى منهم وأنهم يتنكرون للبعث والحساب، أقول أن فناء هؤلاء أثر طبيعي لخلق السموات والأرض مبنية على الحق.
الآيات التي تؤكد أن الخلق كان في ستة أيام وأنه كان خلال أجل مسمى مع وضوح معنى الأيام في المصطلح القرآني وأن المقصود منها في المراحل والعهود كما يتضح ذلك في مقدمة سورة فصلت. أقول أن التأكيد على كون الخلق خلال أجل مسمى، ستة أيام، تمهيد للنتائج المهمة التربوية التي تنتج عنها وهي حسب الوصف القرآني انهزام الروم بعد غلبتهم وأنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا (سورة الروم) وضرورة التوجه إلى الله ودعائه تضرعاً وخفية وخوفاً وطمعاً (سورة الأعراف) وتشجيع المؤمنين العالمين بالقسط والملتزمين بالسنن والحساب والمتفكرين في اختلاف الليل والنهار والظواهر الكونية الأخرى (سورةيونس) والاختبار في العمل السباق نحو الصالحات (سورة هود).
وأخيراً وليس آخراً للتوكل على الله وتسبيحه وذكره والصبر على ما يقولون استهزاء وشماتة وافتراء (سورة الفرقان وق).
ومجمل القول أن التربية القرآنية تعتمد على توفير الوسائل التربوية المعتمدة بالإضافة إلى التقيد بأصول الدين وما تعكسه أصول هذه من القواعد العامة للخلق وتأسيسه على الحق والعدل والأجل المسمى وغير ذلك من الأساسات التي يعلنها القرآن ويربط بينها وبين المطالب التربوية وتوجيه حياة الإنسان الذي يريد النجاح نحو المسلك القائم على العدل والحق والمنطبق على صفات الله وتعليمه باعتماد خطة عمل قائم على أساس جدول زمني لا متنكراً للزمن ولا مهملاً للتحديد كما هو الحال في الخلق.
ثانياً: نتائج هذا الأسلوب:
أولهما: تمتد أبعاد العمل المطلوب في تصور المربي وفي الواقع إلى البعيد فتصل إلى الأزل والأبد وإلى الأرض والسماء وإلى أساس الخلق..
وهذا الإحساس يضمن تأثير التربية كما يصون استمرارها.
ثانيهما: إن الإنسان إمام هذا الأسلوب يشعر بالمواكبة العالمية وان الموجودات كلها ترافقه ولا يحس أبداً بالغربة حتى ولو كان سلوكه مخالفاً أو متناقضاً أو محارباً مع سلوك الآخرين ويلمس معنى الحديث الشريف "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله".
وهذه الميزة بالذات واردة في القرآن الكريم عندما يؤكد سجود الشمس والقمر والنجوم والأشجار والبحار والرعد والدواب ويكرر أنها كلها ساجدة لله مصلية له والإنسان بفطرته وبجسمه أيضاً يمشي في هذا الركب الكوني الكبير وهذه المواكبة تسهل جداً على الإنسان أن يطيع الأمر والنهي وأن يسجد ويسبح ويصلي ويعمل الصالحات.
وثالثها: تلاقي كافة طاقات الفرد في جميع أحواله وأزماته وتلاقي طاقات الجماعة بمختلف الفئات والمستويات، ذلك لأن المنطق واحد والخط واحد والأسلوب واحد وبذلك تتكون قوة كبيرة من الطاقات لا تعجز عن تحقيق أي هدف مهما كان صعباً ومستعصياً. إن طاقات الفرد كثيرة جداً ولكنها تتشتت، وطاقات الجماعة تفوق درجة التصور ولكنها تتناقص ويصطدم بعضها ببعض ومع توجيه هذه الطاقات وتنسيقها وتجنيدها فإن القوة الذاتية للأمة لا تهزم.
ثالثا: طريقة القرآن لعرض الإسلام والدعوة إليه:
وبعد أن نستوعب هذا الأسلوب القرآني المعجز للتربية نصل إلى نقطة أساسية أخرى قد تكون كبرى لبحثنا التربوي الا وهي الإسلام مع العلم أن الإسلام لدى المسلمين وحتى لدى العلماء والباحثين ولأسباب تعليمية ينقسم إلى أقسام عديدة: علم العقائد والعلوم المتعلقة به كالفلسفة الإلهية وعلم الكلام وعلم الفقه بأقسامه العديدة عبادات ومعاملات وسياسات وأحكام مع الكتب المتعددة في كل قسم وأخيراً علم الأخلاق.
ونشاهد أيضاً تقسيم الإسلام إلى أصول يحتاج إلى أيمان ودليل قاطع وإلى فروع وهكذا. إن هذه التفصيلات التي حصلت بدواع علمية وعلى أساس درجة الأهمية أحياناً خلقت نوعاً من الضعف التربوي وكثيراً من الاستهتار حتى بلغ الأمر ببعض المسلمين أن يعتزوا بإسلامهم في قلوبهم من المسلمين مسائل الحياة الاجتماعية والسياسية.
ويعود السبب في جميع ذلك إلى هذا التقسيم الأكاديمي للإسلام.. أما القرآن الكريم فإنه يقرن المسائل العقائدية بالمسائل العلمية ويربط بينهما وبين الأخلاق كما شاهدنا ذلك في أسلوبه التربوي.
ففي بدايات سورة البقرة يصف المتقين بصفات خمس: ثلاث منها عقائدية وهي الإيمان بالغيب والإيمان بما أنزل إلى النبي وإلى الأنبياء واليقين بالآخرة واثنتان منها من المسائل العلمية وهما الصلوة والزكوة تستحق الويل (سورة الماعون).
وقلًّ ما يرد في القرآن ذكر العقيدة دون ذكر العمل الصالح مع أنهما في حسابات التقسيم الفقهي من مقولتين مختلفتين.
وفي دراسة دقيقة للأحكام الإسلامية نلاحظ التفاعل الواضح بينها وان ممارسات العملية هي ذات تأثير واسع على الإيمان والإيمان قاعدة للأخلاق ويتأثر بها أيضاً. كما وان المسائل العقائدية ترسم الخطة العامة للقضايا الاجتماعية ورؤاها.
وهذه التفاعلات يشير إليها القرآن الكريم في أماكن متعددة منها {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون} (الروم:10).{بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ}(القيامة:5ـ6). الآيات هذه تؤكد تأثير الأعمال على العقيدة. والأحاديث عندما تحرم الكبر تعتبره نوعاً من الشرك والتشبه بسلطان الله عز وجل والكثيرون من الكفار وكبيرهم إبليس استكبروا فكفروا {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
أما تأثير أصول الدين سيما التوحيد على العبادات وعلى ترويض الإنسان وإصلاحه لكي يصبح متعاوناً متفائلاً يعامل أخاه الإنسان بانفتاح وحسن ظن وتكافؤ دون أن يتخذ منه إلها أو شيطاناً أو عبداً وكذلك تأثير المعاد على دقة الإنسان في سلوكه ومحاسبته لنفسه وإحساسه بالمسؤولية وغير ذلك من التفاعلات والتأثير فهي تفوق إمكانية البحث والحصر.
إن الدراسات الإسلامية تحتاج إلى مادة خاصة بوحدة الإسلام واعتباره كلا لا يتجزأ والمتحدث فيها عن ترابط الأحكام ولا بد من اعتبار هذه المادة ضرورية لجميع الدارسين والدعاة.
رابعاً: في المسائل التربوية الحادة المعاصرة:
يمتاز عصرنا بأنه عصر الاختصاصات ولا يمكن تصنيف الناس إلى عالم وجاهل بل أكثر الناس أصبحوا علماء كل في اختصاصه وهذا بحد ذاته يجعل الدعوة والتربية مما كانت سابقاً.
ومن جهة تتبنى عقائد وآراء فلسفية تدعو أليها بجميع الوسائل وهي مزودة بطبيعة مروجيها وهي المؤسسات العالمية التي تؤيدها بأحدث الأسباب وأدق الأجهزة وأغنى الوسائل.
وهذه المدارس التي تحارب الأديان، تتبنى في نفس الوقت طرق الدعوة الدينية وتطلب الإيمان بمبادئها وتقف بقوة وبخطط مدروسة ضد دعوتنا الإسلامية ولا تتورع عن استعمال جميع الطرق للقضاء عليها.
وليس التهجم على المؤسسات الدينية وعلى العلماء هو الوسيلة الوحيدة لديها، بل تخلق الانقسامات والخلافات الداخلية وتجند عناصر، بعلمها أو بدون علمها، للتصدي للقادة الروحيين ولتحديهم واثبات عجزهم عن تحمل المسؤولية.
إذاً علينا أن ندرك أن مجتمعاتنا أصبحت ساحة الصراع العقيدي متعدد الأطراف مع عدم التكافؤ في الوسائل والأسباب.
ومن جهة ثالثة وبسبب اعتماد السياسات على واجهات عقيدية فإن تعدد السياسات الحاكمة في بلاد الإسلام جعل التشتت الفكري بين البلاد وداخلها أمراً محتوماً..
| |
|
أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: رد: ضرورة تقيد أساليب التربية بأصول الدين لسماحة الإمام السيد موسى الصد الخميس سبتمبر 25, 2008 4:56 am | |
| ثم أن الوضع المؤلم وتصاعد التشكيك في القيادات يدفعان بالكثير من الأفراد والجماعات لأن يتصدوا للمشكلة رغم عدم كفاءاتهم وبسبب الآلام النفسية، وهذا الوضع بدوره يدفعهم إلى معالجات خاطئة متطرفة أحياناً ومسايرة مايعة أحياناً أحياناً أخرى.
[b]ولكل من الطريقتين ردود فعلهما وتفاعلاتهما الاجتماعية، ومن جملتها التعرض للأقليات التي هي بدورها مصابة بمثل هذه الأمراض فيضعها في جو الدفاع أو يعطي المستعمر ذريعة تجعل الأقليات في أجواء الدفاع عن النفس وتزداد الصعوبات وهكذا.
[b]كل هذه المحن ولا نزال نتحدث عن الأرضية التربوية الموجودة في عالمنا الإسلامي دون أن نذكر إسرائيل وشرورها وسمومها ووسائلها المتنوعة الخطرة ودون أن نتحدث عن الإستعمار وقدرته وحبائله وثقافاته وتبشيره. فإذا أردنا استعراض الوضع مع هذه العناصر الأساسية وحاولنا دراسة المشكلة بجميع أبعادها فإن الأفق يبدو حالكاً والمستقبل مظلماً والعواصف الهوجاء تعصف بنا من كل جانب.
[b]هل المحنة القاسية تدعونا إلى اليأس؟ كلا. أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولكن الاستهتار بالمشكلة وعدم الاستعداد لمواجهتها لا يجتمعان مع روح المسؤولية، فالمبدأ الذي ترفض به اليأس يأتي بعد قول يعقوب: "يا بني أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه".
[b]خامساً: بعض المقترحات:
[b]إن من عنايات الله وجودنا الآن في مؤتمر يضم علماء المسلمين من أقطار العالم وهو المؤتمر الثامن. يعني أن أمامه مجموعة من التجارب تمكنه من تقييم الأمر.
[b]ووجود مجمع البحوث الإسلامية دليل على عزم الأزهر الشريف على مواجهة المشكلات بروح المسؤولية التامة.
[b]ولست هنا لاقترح مزيداً من الأعباء والتكاليف على الأزهر دون أن أدعو نفسي ورفاقي في المؤتمر لأجل تحمل مسؤولية المرحلة المعاصرة.
[b]فالمقترحات للدرس والمناقشة ولكي يقوم كل من بدروه.. أن القيادة المسؤولة عن الإسلام بحاجة إلى عناصر ثلاثة:
[b]أولاً: تكثيف الجانب الروحي والتهذيب النفسي للدعاة. فالعالم رغم تقدمه المادي، بل بسبب هذا التقدم متشوق إلى الصفاء الروحي والتنزه عن الماديات ولا بد من الاعتراف بأن مظاهر الكثير من علماء الدين لا توحي بهذا.
[b]لا أقول أن العالم الديني والداعية يجب أن يترك متعة الحياة الدنيا فأن الإسلام يرفض الرهبانية وعلي عليه السلام يقول "ليس الزهد الا تملك شيئاً بل الزهد الا يملكك شيء".
[b]بل أقول أن نمو الوضع المادي المحيط بالإنسان يجب أن يرافقه النمو في الجانب الروحي لكي لا ينحرف وهذا ما نطالبه بإلحاح.
[b]إن ذرة من الروحانية لا تزال تتغلب على الكثير من الأسباب المادية وتجاربنا في أقطار العالم، حتى في البلاد المتقدمة جداً تثبت ذلك.
[b]ثانياً: وضوح الاهتمام بوضع المعذبين وعد الرضا بسلوك الظالمين والسعي الدائم للتخفيف من آلام الناس والغضب على من يحرمهم حقم.
[b]لماذا يأمرنا الرسول الكريم بأن ننكر المنكر بيدنا أو بلساننا أو بقلبنا وعلى جميع الافتراضات فانه غير راضٍ حتماً عن مسايرة الظالمين والركون إليهم.
[b]إن الإنسان المعاصر معذب. يشعر مهما بلغ بدرجة من الحرمان ويحمل الأنظمة والأشخاص مسؤولية حرمانه وعدم توفير الفرص المتناسبة له. وهو ينتظر أن يحس في الداعي أو العالم المسلم حرارة النضال وصرخة الحق.
[b]ثالثاً: تطوير الشكل وتحديثه يعني الاستعانة بالوسائل المتطورة والأساليب الحديثة لعرض الأفكار والأحكام ولتنظيم المؤسسات الدينية بحيث تصبح من حيث الشكل ووسائل العمل بمستوى المؤسسات العالمية.
[b]أن إحصاءاً دقيقاً ومتجدداً عن المسلمين في العالم وعن شؤونهم التربوية، وعن قادتهم الروحيين وعن مؤسساتهم الدينية والثقافية وعن كتبهم وجرائدهم وحصصهم في الإذاعة المسموعة والمرئية وعن إمكانياتهم، من أوليات التطوير المؤسس علماً بأن أولى المؤسسات بهذا الأمر الذي لا تتحقق الرعاية بدونه هي الأزهر الشريف.
[b]إن بعض المسلمين في العالم في الفليبين وارتيريا والحبشة معروفة ولكن المعلومات المتفرقة تؤكد وجود مآس أخرى لا تقل عن مأساة هؤلاء في تايلاند وسيام والمجر وغيرها.
[b]وفي حدود مشاهداتي لم يكن موقف المسلمين العرب وغيرهم تجاه محنة المسلمين في لبنان يتناسب مع عظمة المحنة وكان هذا ناتجاً عن عدم معرفتهم بواقع الأحداث التي جرت في لبنان وتجري حتى الآن في جنوبه.
[b]إن وضع المذاهب الإسلامية في أقطار العالم يجب أن تعالج بسماحة وجدية كبيرتين سيما بالنسبة إلى أولئك الذين انحرفوا عن أركان الإسلام بسبب بعدهم عن الفهم الصحيح وظهور مبتدعين بينهم.
[b]إنني لا أعرف حتى الآن اهتماماً بالمستوى المطلوب بهؤلاء الناس أبداً، أقلهم إلا طرد البعض لهم وقبول الآخرين دون علاج لأمرهم رغم تعطشهم الكبير بتصحيح أفكارهم والشوق إلى التلاقي مع أخوتهم في الدين.
[b]إن المؤسسات المعنية بشؤون المسلمين من مؤتمرات ومراكز ثقافية وغيرها أصبحت كثيرة وهناك نشاطات واسعة يقوم بها الأفراد. ولقد آن الأوان لأن يصبح مجمع البحوث هو الهيئة القيادية العليا تتمثل فيها المؤسسات والمؤتمرات الإسلامية.
[b]وهذا الأمر يتطلب تخصيص هيئة من كبار علماء المسلمين ومن أعضاء المجمع أو المؤتمر أو من غيرهم وبتكليف من المجمع للقضايا العلمية وتفرغ المجمع وأمانته العامة للقيام بمهمة رعاية المسلمين في العالم ودرس أحوالهم وتتبعها، وعند ذلك يصبح المؤتمر هذا هيئة عامة والمجمع المتفرع أمانة عامة دائمة.
[b]وغني عن القول أن المجمع حسب هذا الطرح يبقى على صلة دائمة بأعضاء المؤتمر وبغيرهم لادخار المعلومات التي ترده بانتظام وبتبويبها وإرسال تقارير بشأنها.
[b]ومن أهم الأعمال المطلوبة من مثل هذه الهيئة القيادية هو تنسيق النشاطات التي تصدر في العالم لكي لا يطبع كتاب أو يترجم مرات مختلفة بل يزود المجمع سائر المؤسسات في العالم بذلك توفيراً للطاقات وتوجيهاً نحو الفراغات.
[b]وحول المؤتمر وقراراته لابد من وقفة جريئة مخلصة ومن السعي لعدم إصدار قرار أي قرار أكثر من مرة ومن البحث حول الأسباب التي منعت تنفيذ القرارات التي صدرت مراراً منذ المؤتمر الأول ومن الامتناع عن إصدار أية قرارات دون توفير شروط تنفيذها وإلا فليكتف المؤتمر بإصدار لفتوى أو توصية.
[b]تعليقات على المحاضرة:
[b]وعلق رئيس المؤتمر على المحاضرة بأنها محاضرة قيمة نطبعها ونوزعها ونشكل لجنة لدرس المقترحات الواردة فيها.
[b]وكذلك كان أكثر المحاضرين يعلقون على الأبحاث الواردة فيها[/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b] [b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b] | |
|