أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: بقلـــم الإمام القائد الخميس سبتمبر 25, 2008 4:27 am | |
|
''في يوم رمضاني تستقبلون صائمين للإفطار. أنها لحظة لا تنسى تزيد من قناعتي ورفاقي بضرورة التفاني في خدمة لبنان بلد الإنسان. أن الإنسان اللبناني تمكن في هذه الجبال من أن يحتفظ بالتراث الأصيل وأن يأخذ الجديد فيضم حجرا على حجر ويبني حضارة متميزة تعتز بها المنطقة''. وأضاف:''كلنا نؤمن بالله وباليوم الآخر وبالعمل الصالح. والدين واحد لكل منا مدخله الخاص. صحيح أن طريق الوصول الى الدين مهمة جدا لكنها ليست مفرقة ... الغرب ألبس تعاليم المسيحية لبسه هو لا لبس المسيح. خلق التعصب والتطرف والانشقاق. في الوقت الذي لبس الغرب المادي ثوب المسيحية، وعاش في التناقضات والتعصبات والحروب كنا نحن في الشرق نعيش عائلة واحدة، اذ أن الشعب اللبناني قد احتفظ بالتراث كما هو وهذا سبب انفتاحه، لأن التعاليم المسيحية كما في الاسلام تدعو الى التآخي والودّ والتعاون''. وأضاف:''كان اللبنانيون يشعرون بالوحدة حتى جاءت السياسة المستغلة التى لم تتمكن من تقديم خدمات على مستوى طموح اللبناني وامكانات لبنان، فحاولت أن تبرر فشلها بخلق أخطار وهمية طائفية لكي تؤكد أنها حمى المسيحيين وسند المسلمين. وأوجدوا المشاكل، واصطنعوا الخلافات اصطناعا وخلقوا بذور الانشقاق ليستمروا في حكمهم ويغطوا فشلهم في الحكم. واذا فتشنا عن الحقيقة لوجدناهم أبعد الناس عن التدين والشعائر الدينية''. وأشار الإمام الصدر الى أن المشكلة التي تهدد لبنان بالتمزق هي مشكلة لقمة الخبز وانفلات الأمن، والغلاء الفاحش المستمر. وقال:''هناك طائفة واحدة، هي طائفة المستأثرين، الطغاة المحتكرين، افرادها موجودون في كل الطوائف اللبنانية هؤلاء طائفة واحدة ضد كل الناس''. وأضاف الامام الصدر قائلاً:''أيها المتاجرون المقلقون، المخوفون، انتم أعداء الشعب. الشعب كل واحد وليس عدوا لبعضه، كله يتألم، جائع، عريان، وعطشان''. ومضى الصدر يقول:''أنا أخشى من الانفجار بعد خمس أو ست سنوات ووجهة نظرنا أنه لا يمكن أن يسكت المؤمن مسيحيا كان أم مسلما، لا يمكن أن يسكت المؤمن بلبنان المؤمن بكرامة الإنسان، يخوفوننا من الانفجارات الطائفية، نرد الإتهام الى صدورهم. فلماذا يطلب من الشعب اللبناني أن يحيا ابدا تحت ظل الاقطاع السياسي متخبطا بالانتماءات. لقد جمدونا بإسم الطائفية، وأنا أرفض ذلك''. وأضاف:''المشكلة هي في التفاوت بين المناطق الذي سيؤدي الى انفجار. أنا خائف من الانفجار. بدّي أصرخ، اوجع، اؤلم، أحتج، اقلل أدب حتى يستحوا ويشوفوا شوفي بالدنيا. أنا ورفاقي نستطيع أن ننام مبسوطين، نحضر جلسات السمر، نعيش حياة التشريفات والعلم على سيارتي، ولكن اذا قبلت هذه العيشة سأندم بعد خمس سنوات أو عشر سنين لأنني شممت رائحة الانفجار ولم انبه اليه''. وتساءل:''لماذا نحجر على الإنسان في لبنان؟ لماذا نمنع بروز كفاياته ونسلط عليه العصابات ونفرض الخوة ونحكم فيه الأرذال؟ وجهة نظرنا أنه لا يمكن أن يسكت الانسان المؤمن مسلما كان أم مسيحيا لأن البلد في خطر''. وختم الإمام قائلا:''يخوفوننا من الانفجارات الطائفية. الخطر ليس هنا. أنا أول من ينادي بالغاء الطائفية وضرب المحتكرين الذين يتشبثون بالطائفية. ويخلقون الفتن. لي الحق في أن أصرخ وأغضب. إن المسيح نفسه غضب عندما دخل الهيكل ووجده ملعبا للمحتكرين والمنافقين. حمل السوط وطردهم قائلا: بيتي جعلتموه مغارة للصوص''.
مسيرة الإمام السيد موسى الصدر يوميات ووثائق 1974 - المجلد الرابع
| |
|
أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: رد: بقلـــم الإمام القائد الخميس سبتمبر 25, 2008 4:33 am | |
|
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد، أن من أسس التعاليم الإسلامية الناظمة لحياة الإنسان، ما نراه في الآيات المباركات في سورة النجم، من القرآن الكريم:''وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزيه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى''] النجم/ 39 ـ 42 [ صدق الله العظيم آياته سبحانه تؤكد ان حياة الإنسان، هي في مستوى سعيه وعطائه كما وكيفا، فمناطها ليس إذن تنفس وأكل وتحرك، حتى ولا إدراك.. وانقطاع هذا كله، ليس معناه الموت. ظاهرة الموت، إذن انقطاع سعي وعمل، لا انقطاع تنفس وامل. وظاهرة الحياة تبدو إذن فـي العطاء، فهو ما دام باقيا، فالإنسان به حي. وهو ان لم يكن، فالإنسان كأنه ما كان. وسبحانه، وهو يعادل العمل بالحياة، كتب له ضمان البقاء، هنا، وهناك: عندما أكد عـدم ضياعه، ونص على جزائه الأوفى الذي ينتظر العاملين عند العود إلى رب العالمين، ذلك الجزاء الذي يفوق جزاء الدنيا، كما يفوق فضل الله وكرمه، فضل عباده وكرمهم. معادلة الحياة بالعطاء، لم ترسمها يده الرحيمة بسورة النجم وحسب، وانما نقرأ المعادلة في كثير من الآيات والتعاليم الدينية. وقويم العقل يؤكدها لا مراء. من هنا، سبب تلاقينا في يومنا الأغر هذا، يومنا الذي نرجو ان يصير عيدا، في يومٍ عليه، في هذا الاجتماع تتفقون. ونلتقي اليوم بمناسبة مولد الزهراء، مولد العمل والعطاء، مولد من كان شعارها مستمدا من رسول الله:''يا فاطمة، اعملي لنفسك، فأني لا أغني عنك من الله شيئا''، ووعت فاطمة أين هو طريق الفضل، انه انتساب إلى عمل وسعي، وليس انتسابا إلى خاتم النبيين. ونلتقي أيضا في هذه المؤسسة، وهل هي الا خلاصة عطاء مشترك، تجاوب فيه شعبنا الكريم، مقيمه ومغتربه، مع حكومته الجليلة، فشهق البنيان بدوره عاليا، ليعطي ما لا يسعه قول: ساعة درس، او تثقف طالب، او تعلم عامل، او تحسين وضع عائلي. ان لبنة ضياء تأخذ مكانها في جدار هذا المنار، هي، لليد التي وضعتها بقاء واستمرار: وللرأس الذي تفيأ ظلها أمن وهدى، واستقرار. وظروف لقائنا العصيبة، تؤكد بدورها تفرغ حياتنا من محتواها، وغموض مستقبلنا من أساسه، وتعلق مصير أولادنا بالقلق، ان لم يتحرك كل منا في حقله، وفي إطار كفاءاته إلى العمل الإيجابـي الواعي، والى العطاء المثمر البناء. أيها الأعزاء نلتقي بكم اليوم لنتذوق ثمرة الجهد المشترك، وهي ثمرة شجرة استنبتت في فترة قصيرة، وبحجم محدود، لكنها تؤكد على القيام بالأعمال الكبيرة عندما تريدون، وإنها بالتعاون المخلص ستصبح، دوحة كالمعجزة، بإذن الله. شولقد أردنا لهذه الغرسة، ان تكون في هذه التربة العزيزة وبجوار الأرض المقدسة، إعلانا منا، بأن هذا الجهد الرمزي المتواضع، ما كان هنا، الا لنؤكد بأننا جميعا على استعداد دائم لبذل جميع إمكاناتنا، حتى الأرواح والأولاد، دون تردد ساعة ما نستدعى، أو ساعة تستدعي الحاجة. أيها الأعزاء ... الحق ان تذوقكم، مسؤولين وشعبا، ثمرة عطائكم، ومشاهدتكم طاقاتكم تتجسد.. هما خير شكر لكم وافضل تقدير لإنسانية عملكم، ونبل مسعاكم، لكن احب هنا ان أسجل شكرا خاصا، ودعاء خالصا مخلصا لا خواني في ديار الاغتراب، الذين كانت حفلتنا هذه تكريما لهم. ذلك لأني في رحلتي الأخيرة إلى أفريقيا الغربية شاهدت بعيني معاني هجرتهم. ان هؤلاء الأبطال يضعون حياتهم على أكفهم، ضاربين في الأرض، مخاطرين.. زاهدين بكل متع الحياة، وبجميع نعم الوطن، كاسبين الدرهم المغسول بليل السهر، وقطرة الدم، ثم يأتي بذلهم السخي، وكأنهم يأخذون الذي يعطون، يدهم تتحرك بالعطاء، وعواطفهم تتأجج بالحس، وصدورهم تنفتح للضيافة.. أرى كل هذا فأشعر، واتمنى لو عشت بينهم ما كتب الله لي من بقية. وان كان من قول لي هنا، تجاه ذلك السخاء، فلا أملك الا الإشادة بهم، في يوم الزهراء، أم الأئمة المضحين الشهداء، وينابيع الفداء، والا ان أطالبهم، واصر، بالمشاركة في الإشراف على المؤسسة حالا ومستقبلا، تخطيطاً، وإدارة، ومحاسبة. والا ان أقول لهم أخيراً بأن هذا المكان، وما ينبثق عنـه، هو كله، لهم، بيتهم، مكتبهم، تدرس فيه قضاياهم، وتستنبط الحلول لمشاكلهم هنا وهناك، وفيه يلتقون بكرام المسؤولين، وبالإخوان المقيمين. أما المؤسسة فسوف تفتح أبوابها في السنة الدراسية 1969 ــ 1970، بإذن الله، بعد ان تصبح إدارتها الخبيرة، ومحتوياتها من معدات وآليات حديثة بمستوى بنيانها الشاهق وطموحكم إلى الأحسن. معتمدة على الله القدير الذي يرعى أعمال المخلصين من عباده ويدافع عنهم ويسدد خطاهم ويجند لهم الطاقات الخيرة والضمائر الواعية. وبالمناسبة اذكر لكم انا تلقينا وعدا كريما، بتجسيد أمانينا كلها عن المؤسسة، من الحكومة الفرنسية المحترمة. وواجب الوفاء يقتضي الإشادة برعاية فخامة الرئيس الحلو. وبالمبادرة النادرة الأولى، التي بذلها بكل إخلاص فخامة الرئيس شهاب. وبمساهمات وزارة التربية الجليلة ومصلحة الإنعاش الاجتماعي. أما سيدنا الإمام شرف الدين قدّس سره، المصمم الأول في هذا الخط النيرّ، وسماحة المرجع الأعلى السيد الحكيم دام ظله، وأعضاء جمعية البرّ والإحسان، وأعضاء لجنة إدارة المؤسسة، أما هؤلاء جمعيا فان المؤسسة ليست إلا ثمرة جهودهم، وتحقيق آمالهم. استودعكم الله بعد الترحيب. وبين أيديكم خلاصة الموازنة في هذه الأوراق. وفيما حولكم مؤسستكم تشمخ.. والسلام عليكم. ثانياً ـ مقررات المغتربين ـ النص قبل انتهاء الاحتفال تولى المغترب السيد علي سلامه اذاعة المقررات التالي نصها: نحن جماهير المدعوين لحفلة تكريم المغترب في مؤسسة جمعية البر والاحسان صور، والمجتمعين في مولد الزهراء''ع''، حشدا ضخما يمثل عددا كبيرا من اقطار المهجر وخاصة الافريقي منه وانحاء لبنان خاصة الجنوبي منه، نرى وعلى ضوء الأحداث المصيرية التي تجتازها الامة، وتجاوبا مع التوق المتطلع بالحاح نحو تحرك ايجابي لمواجهة هذه الأحداث، وشعورا عميقا بقداسة الدور الملقى على عاتق المواطن في مشاركة المسؤولين تحمل المسؤولية، نرى ان يتخذ اجتماعنا هذا شكل مؤتمر تصدر عنه القرارات التالية: أولاً: في نطاق المجال المهجري يرى المجتمعون ان المهجر الافريقي هو الرئة التي يتنفس منها جنوب لبنان، وانه عبر مجاله تنطلق جحافل الجنوبيين عزما وطموحا تناضل بثبات وشرف، لتهب الحياة ارضا من ربوعها انطلقت ولتعمر بوفاء ارضا الى ربوعها انتهت. وعلى هذا يطالب المجتمعون الحكومة اللبنانية بما يلي: أ. تعميق الصلة بحكومات المهاجر الافريقية الصديقة والمضيافة وبشعوبها الطيبة، وذلك بتعزيز التمثيل الدبلوماسي ورفع مستواه بما يضمن وجود ممثلين اكفاء مخلصين، يفهمون اوضاع الاقطار الافريقية فهما عميقا، ويدركون الاوضاع الدقيقة لهذه البلدان المستقلة حديثا، مما يساعدهم ان يقوموا بدورهم الهام في تعميق الصلات بين لبنان وبين هذه الأقطار. ب. توطيد الصلات الاقتصادية بين لبنان وهذه ألبلدان النامية، وتشجيع رؤوس الأموال اللبنانية ان تمتد اليها لتقوم بدور كبير في تطوير الحياة فيها، بما يضمن الفوائد المتبادلة لكل من الطرفين. ج. تخصيص المزيد من المنح الدراسية لأبناء الجيل الصاعد من ابناء افريقيا، ليتلقوا العلم عندنا ويتعرفوا عن كثب على الوجه الحضاري لهذا الوطن، مما يعمق الصداقة والتفاهم بينهم وبين اجيالنا الصاعدة ليسير الجميع دائما على درب الصداقة والنضال المشترك، لتحرير الشعوب ورفع مستواها. د. ارسال الكثير من البعثات بشكل دوري من ممثلي رجال الصناعة والأقتصاد عندنا، ليدرسوا احتياجات الأسواق الافريقية واوضاعها لكي يساهموا عن معرفة بدورهم في هذا المجال، وليدرسوا في نفس الوقت ما يمكن للبنان ان يستورده من الانتاج الافريقي، مما يضمن نوعا من التكافؤ في التعامل لتنتقي معه صورة الاستثمار وتسوده روح العدل في المبادلة. ه. تشجيع المؤسسات اللبنانية ذات الكفاءة التقنية، ان تساهم في تأمين ما تطلبه الأقطار المضيفة في مجال البناء التقني لكافة مرافق الحياة. وهنا نطالب الحكومة بأرسال الخبراء والفنيين في كافة المجالات وضمن الاستطاعة الى هذه الأقطار، ليقوموا بوضع خبراتهم تحت تصرفها لتفيد منها في تنظيم كافة مناحي الادارة والثقافة والصحة وغيرها مما تحتاجه هذه الدول الصديقة. و. مكافحة النشاط الصهيوني بوضع سياسة اعلامية مدروسة من قبل اكفاء مخلصين تنتدبهم الحكومة اللبنانية من داخل الادارة او من خارجها، وتشجيع تبادل زيارات وفود الشباب ومؤتمراتهم مما يعزز وجهة النظر الحقة ويفوت على الدعاية العدوة فرص بث سمومها واضاليلها. ان توقيع المعاهدات الثقافية وانشاء المراكز الاعلامية المجهزة في كافة البلدان الافريقية امر بالغ الأهمية وله دوره الكبير في دعم المركز العربي وفي درء الخطر الصهيوني المضلل. ز. رفع مستوى الجاليات اللبنانية الطيبة، ومساعدتها على توطيد صلتها بالوطن بدعم المدارس اللبنانية في المهاجر، دعمها فعليا وباقامة المزيد من هذه المدارس على ان لا يقتصر دورها على التعليم البدائي والشكلي بل يجعلها تتبع المنهج الرسمي المقرر في وزارة المعارف اللبنانية هنا، واقامة امتحانات الشهادة الابتدائية في نهاية كل عام باشراف السفارات اللبنانية هناك وبحضور ممثلين عن وزارة المعارف، على ان يتم اعداد الاسئلة في وزارة المعارف اللبنانية، وعلى ان يعترف بالناجحين ويعطوا شهاداتهم الابتدائية المعترف بها رسميا كما لو كانوا في الوطن. ان هذا البند له اهمية كبرى لأنه يضمن عدم انسلاخ الطفل اللبناني عن والديه باكرا فيسبب قلقا عاطفيا عندهم قد يجرّ الى قلق معاشي يحوّل حياة البيت اللبناني المغترب الى شقاء وربما يكون العامل الاساسي في هدمه. كما ان تقرير هذا المبدأ يعطي الفرصة الذهبية لأبناء غير الميسورين من اللبنانيين، ان ينهلوا من ثقافة وطنهم ويفقهوا جغرافيته وتاريخه ويرضعوا حبه، فيظلون على ولائهم له وارتباطهم به، وهذا ما لاتؤمنه مئات الحفلات والدعوات لمغتربين اصلهم لبناني ولكنهم انسلخوا عن لبنان وربما الى الأبد. ح. التأكيد على الممثلين الدبلوماسيين ان ينخرطوا في حياة الجاليات اللبنانية، وان يدرسوا اوضاعها ومشاكلها الاجتماعية بوعي وباخلاص، ليجدوا لهذه المشاكل الحلول الجذرية مما يرفع مستوي هذه الجاليات ويجعلها ترى في التمثيل الدبلوماسي الصورة الحبيبة للوطن. ان ترفع بعض الممثلين الدبلوماسيين لسبب او لآخر عن الاندماج في حياة الجاليات، وابتعادهم عنها نحو ابراج تتألف فيها الوان خاصة من الحياة وفئات معينة من الطبقات المغتربة، يزيد تعقيد المشاكل الاجتماعية للمغتربين بدلا من ان يحلها، ان الدبلوماسي اللبناني أخ لكل لبناني مغترب. للفقير قبل الغني، وهو وان قيّدت له اسباب ثقافية وغير ثقافية قد لا تتهيأ للكثير من المغتربين وخاصة القدامى منهم، فان واجبه لقداسة الدور الذى به يضطلع، ان يجعل امكانياته كلها منفتحة على المجتمعات المغتربة لتشع فيها اخوة لا تعاليا وبساطة، لا عجرفة ونكران ذات، لا أثرة وانه عليه في هذا ان يكون كنسيم لبنان يتنشقه كل اللبنانيين، لا بعضهم وكما يحتا جون وعلى السواء. ثانياً: في نطاق المجال الجنوبي المجتمعون يقررون بحزم وتصميم ان الجنوب صدر لبنان ودرعه، وهو منه قلب لا هامش، وهو جزؤه المستهدف من العدو والمعرض لأطماعه. وان وحدة لبنان تستلزم قبل كل شيء قناعة لا سبيل للشك اليها لأن الجنوب يجب ان يصان كما يصان الجبل، وان لا لبنان بلا الجنوب ولا جنوب بلا لبنان. فاذا كان الجنوب منطلق المهاجر، فأنه ينبغي ان يكون بالتالي موئل عودته، ولذا فان الحكومة اللبنانية مطالبـة بما يلي: أ. رفع المستوى الاجتماعي والثقافي والأقتصادي للقرية اللبنانية، بحيث تقوى صلة الارتباط بالأرض والتصميم على البقاء فيها، لا تركها عند اول بادرة خطر. ونشير هنا بشكل رئيسي الى مشكلة التبغ التي هي من اهم المشاكل الحياتية في الجنوب، ان لم تكن اهمها على الاطلاق. اننا نرفع صوتنا لنؤيد بعزم وصلابة مزارعي التبغ ومطالبهم العادلة، ونطالب بأن تعالج مشكلتهم بروح عامرة بالعدل والتعقل لا مغلولة بالظلم والاستغلال، وان تأمين انسان الجنوب اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا في ارضه وقريته، يساهم بفاعلية كبرى في حل مشكلة النزوح عن القرية، ويساهم بشكل رئيسي في خلق مواطن واع وسعيد في قرى خط النار الأولى، مما يعزز الجنوب ويرد العار عن لبنان. ب. المجتمعون يطالبون بقوة وتصميم، بتحصين القرى الامامية وتدريب شبابها وبتسليحها لتكون درعا منيعا، يجعل الجنوب حصنا تتكسر عليه امواج الطامعين، لا أرضا عاجزة تتحطم في ضعف وانكسار امام اولى ضربات المواجهة المقبلة. واننا هنا نود أن نكون صريحين فنقول: ان تنفيذ هذا المطلب الشعبي الهام، والالتفاف من حوله بأساليب معروفة تستهدف تزييف حقيقة زخمه، ليبدو كأنه انطلق حين انطلق، الجنوب عنه غريب وعن روحه بعيد. ان هذا التلاعب بالحقيقة يزيدنا تصميما على القول: ان الجنوب يجب ان يحصن ويسلح ويدرب شبابه باخلاص في التنفيذ، يستند الى الدراسة الواقعية لأساليب هذا التنفيذ الصحيحة لا الملتوية. واننا نقرر اننا لا نريده ضفة غربية ثانية، بل جنوبا لبنانيا عزيزا. ج. المجتمعون هنا يرسلون تحية اكبار ومحبة لجنود جيشنا اللبناني البواسل، ولكافة قطعاته الرابضة ليوثا على خط النار، تحمي الحدود وتصون الوطن. اننا نطالب باعتماد ميزانية دفاعية كبرى لدعم الجيش وتطويره، ومدّه بما تستلزمه المرحلة الحاسمة التي نعيشها ليقوم بدوره المقدس، الذى به يضطلع ونحن في الجنوب درع الجيش وجناحه نقف معه في الساح جنبا الى جنب، ننصره ونواكب خطاه فلا جيش بلا شعب ولا شعب بلا جيش. ثالثاً: في مجال القضية الكبرى المجتمعون يقررون ان قضية فلسطين الاولى، قضية شعبه، قضية ارضه، قضية مستقبله ومصيره. وان لبنان طرف في القضية بكل ابعادها ونتائجها. والمجتمعون هنا يعلنون بعزم ومضي تأييدهم اللامحدود لعمل المقاومة الفدائي الجبار، يخوضه شباب من هذه الامة نذروا كل قطرة دم في شرايينهم للقضية. الفدائيون رواد الكرامة والاباء، مردة هذا الجيل يغسلون في كل لحظة عن ارضنا العربية عاراً، ويمسحون بكل غارة جبينا ذلّ. اننا نحيي العمل الفدائي ونعاهد الله والوطن والتاريخ، ان نقوم بدعمه باليد والمال واللسان، ليستمر ويتصاعد حتى تنطلق جحافله حربا تحررية شعبية تجلي عن ارضنا دخيلاً، وتعيد الى تاريخنا كرامة بها عرفنا واباء بنا يحيا. مسيرة الامام السيد موسى الصدر المجلد الرابع - 1974
| |
|
أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: رد: بقلـــم الإمام القائد الخميس سبتمبر 25, 2008 4:33 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين. وبعد، حسب بعض الآثار التاريخية، والموجودة في المقاتل التي تبحث في واقعة كربلاء، وآثارها ومقدماتها، يظهر منها أن آل البيت، آل بيت الحسين، وآل بيت رسول الله، دخلوا الشام في أول شهر''صفر''، أي بعد مرور عشرين يوماً من تاريخ إستشهاد الإمام الحسين (ع). والسبب في ذلك، وفي مرورهم على البلاد المتعددة، أنه في سابق الزمن لم تكن متوفرة الوسائل الكافية والسريعة، التي تؤمن مرور القوافل في الصحراء. كانوا يخافون الصحراء نظراً لعدم وجود الماء ووسائل الحياة، ومحل راحة الراكب والمركوب، فكانوا يحاولون أن يعبروا البلاد العامرة. هذه البلاد، وإ ن كان الخط الذي مروا به عليها غير واضح وغير مسجل في التواريخ، لأن من كان مع الأسرى، ومع الرؤوس الطاهرة، كانوا يحاولون ان يمروا في خطوط لعلّها تختلف عن الخطوط الاعتيادية في السير، لأسباب سياسية وللمحافظة، وللخوف من الإنقلابات والمشاكل التي قد تطرأ في الطريق، ولهذا كانوا يمرون من البلاد الكبرى. هذه البلاد، تظهر مرور آل البيت ومرور الرؤوس الطاهرة عليها بما بقي فيها من الآثار، والعلائم على أن آل البيت مروا من هذه النقاط. هذه الآثار هي المشاهد التي بنيت باسم مشهد رأس الحسين (ع). في كثير من البلاد بنيت مشاهد، ولا شك أن رأس الحسين لم يدفن فيها، ولكن وضع فيها أو حفظ فيها لعدة ساعات، أو وقعت قطرات من دمه في تلك الأماكن ثم احترموها وبنوا عليها مشاهد بل ومساجد، لأن هناك حديثاً عن رسول الله (ص) يقول:'' ما بني مسجد إلا على قبر نبي، أو وصي، أو شهيد استشهد فأصاب تلك البقعة قطرة من دمه، فأبى الله إلا أن يبنى فيها مساجد''. هذا التعليل أو شبهه، أدى إلىبناء مشاهد باسم رأس الحسين (ع) في كثير من البلاد. هذه المشاهد كآثار، تدل على خط عبور آل البيت في رحلتهم من الكوفة إلىالشام. هذه الرحلة التي استغرقت حوالي عشرين يوماً أو أقل من الزمن. في بعض البلاد مثل عسقلان، مثل حماه، مثل حمص.. هناك أماكن باسم رأس الحسين؛ حتى في حلب، هناك مشهد باسم مشهد النقطة لا يزال موجوداً، هذا المشهد بناء كبير ضخم من أضخم المساجد، هدم في أيام الأتراك حينما وضعوا فيه أسلحة ومهمات وعتاداً، ثم احترقت فأنهدم المسجد. ومؤخراً بدأوا بتجديد عمرانه بالشكل القديم، بأمر من المرجع السيد الحكيم حفظه الله، وبالتبرع منه ومن بعض المؤمنين. هذه المساجد وضعت ثم عمرت بشكل كبير في أيام الحمدانيين، الذين كانوا في تلك المناطق وكانوا يوالون آل البيت موالاة كبيرة. فإذاً، نحن بإمكاننا أن نتصور أن الرؤوس الطاهرة والأسرى، قد مروا بهم على طريق العواصم. وحسب الخط الجغرافي، من المحتمل جداً أنهم مروا على بعلبك ايضاً. وخلاصة الكلام، أن هؤلاء مروا على كبريات المدن، التي كانت واقعة بين الكوفة والشام على طريق الساحل. هذا الخط التقريبي، يؤكد لنا مع بعض الآثار والتواريخ التي تقول إنهم دخلوا في'' الرملة'' مثلاً، أو في'' عسقلان''، وكان الناس متهيئين لاستقبالهم، وللفرح بورود الأسرى وأمثال ذلك، بما يدل على أن آل البيت مروا من هذه النقاط الكبرى - العواصم والمدن الكبرى ـ التي كانت في وقتها في فلسطين وفي لبنان وفي سوريا. في هذه المدن التي كانوا يمرون فيها بآل البيت، ما من شك أن الأمر، كحادثة عامة، انتصار للخليفة: رؤوس مقطوعة، سبايا، أسرى، جيش... كل هذه المسائل تلفت النظر. طبعاً، انتم تعلمون انه عندما يمر جيش من مكان، يخرج اهل البلد للتفرج، فكيف إذاكان يخصهم، يعني خليفتهم وبلادهم. لذلك من الممكن أن نتصور أنه من الكوفة إلىالشام، في هذه البلاد الكبيرة وفي كل بلد دخلوا فيه، وأدخلوا الرؤوس الطاهرة وآل البيت، كانوا يقابلون بإحتفال من الناس ومهرجانات وتقابل مع الجماهير في هذه المدن المتعددة. وما من شك أن هذه المسائل حصلت في كل بلد إذ ليس من الضروري أن يكون هذا مذكوراً في'' المقاتل'' حتى نفهم، بل نقدر أن نستنبط من روحية الناس والوضع العام. ما من شك أنهم في كل بلد كانوا يدخلونه، كان هناك حكام من قبل الخليفة، وبالتالي كانوا يحتفلون ويبتهجون بالإنتصار. فكانوا يقابلون بالناس. والناس عندهم روح الفضول بطبيعة الحال ويريدون أن يسألوا، يفهموا! أنه ما الأمر؟ وما هي القصة؟ من هؤلاء؟ لماذا قطعت الرؤوس؟ لماذا أتوا بالسبايا؟ من هؤلاء؟ خوارج أم غير خوارج ... وسرعان ما يجد في البلاد الإسلامية، آنذاك، من يتعرف على هؤلاء؛ وبسرعة يتمكنون أن يفهموا، وحتى إذا لم يعرفوهم فما من شك أن هناك طفلاً، هناك صغيراً، هناك كبيراً هناك شيخاً... يدنو من أحدهم ويسأله: من أنتم؟ من أي الأسارى أنتم؟ طبعاً أن هذه العبارة وردت في كثير من المقاتل: من أي الأسارى أنتم؟ أنتم من الزنوج؟ أو من الديلم؟ أو من التتر؟ أو من بلاد الكفر؟ من أي الأسرى؟ لأن من طبيعة العالم الإسلامي آنذاك، أنهم كانوا يعتبرون الخوارج هم الكفار الذين يخرجون على الدين، ويخرجون على الإمام، وينحرفون. فكانوا يسألون هذا السؤال وهو وارد في أكثر من موضع: من أي الأسارى أنتم؟ ولا شك أن أهل البيت، سلام الله عليهم، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، كانوا يعرفون كيف يجيبون على هذا السؤال، فكانوا يقولون: نحن من أسارى آل محمد. كيف هذا!؟ من أسارى آل محمد؟! وهل آل محمد يْسَبون ويؤسرون؟ فحينئذ كانوا يشرحون القصة. هذه القصة كانت تنعكس على المستمعين، فليتفون ويستمعون أكثر. وهنا يجب أن يأتي دور الحديث أو الخطاب، فأما علي بن الحسين (ع) يتكلم، وأما زينب تتكلم، او أم كلثوم تتكلم. أحدهم كان يتكلم ويشرح للناس ماذاجرى. ولهذا نجد في كتاب المقاتل عشرات من الخطب والكلمات ألقيت ومسجلة. أين ألقيت؟ في الكوفة وفي الشام هذا بيّن. اما في سائر المدن فهذا غير بيِّن أما لعدم وجود الرواة، أو لأنهم تذكروا هذه الخطبة أو تلك أين ألقيت، فالحاصل أن هذه القافلة خرجت من الكوفة، ووصلت إلى الشام وعبرت على المدن الكبرى، وفي الطريق، وفي كل مدينة كان يجري الإستقبال والتساؤل والجواب والإلتفاف. والخطبة والتعرف والندم والبكاء، والحركات الثورية وأمثال ذلك. من طبيعة الحال أن هذه المسائل كانت تحصل في كل رحلة، وفي كل مرحلة من هذه المراحل. هنا يتبين تماماً ما ذكرت في الأسبوع الماضي، وفي احتفالات عاشوراء، يتبين دور النساء من آل البيت: زينب وأخواتها، وما فعلن. كما قلت، كانت النية متجهة إلى أن يقتلوا الإمام الحسين، ويقتلوا جميع الرجال ويخفوهم في الصحراء، ويندمل بالرمال مكان دمائهم وأجسادهم، ولا يعرف أحد ماذا حصل وماذا لم يحصل. ولكن، كما يقول الإمام الحسين (ع):'' أن الله شاء أن يراهن سبايا''. لماذا شاء أن يراهن سبايا؟ حتى يقمن بهذا الدور، حتى يؤدين هذا الدور، حتى يكشفن النقاب عن هذه الواقعة الغريبة في تاريخ الإسلام، حتى يكشفن النقاب عنها أمام كل العالم. ولهذا بدأوا من الكوفة ومروا بالمدن الرئيسية الكبرى ووصلوا إلى الشام، ثم انتقلوا إلى المدينة، وانتقلت زينب سلام الله عليها إلى مصر. وفي كل بلد كانوا يتحدثون عن الذي جرى، ويحكمون على تصرف بني أمية، ويزيد بالذات، بمخالفته للدين والشرع والإنسانية والشرف. وهكذا مهدت زينب سلام الله عليها، وبتوجيه منها لبقية النساء، مهدن العالم الإسلامي كله أمام الوضع الحقيقي، والنوايا الحقيقية لبني أمية، فعرف الناس من هم حكامهم، وما هي قيمة هؤلاء الحكام في منطق الإسلام. والإنسان، إذا نظر ودرس هذه الخطب العجيبة التي ألقيت في كل مكان، فإنه بلا تردد وبلا شعور، ينحني أمام هذه العظمة بالتواضع والتقدير والإكبار. تقف زينب، في أي مكان، من دون أن تشعر بالمصيبة أو المصائب، ومن دون أن يظهر عليها تعب الطريق ومشقة الطريق، ومن دون أن يظهر عليها الأسر ومشكلة السبي، ومن دون أن تخاف من الجيش المراقب، وحتى من حكامهم وكبارهم وصغارهم. من دون الإعتناء بكل هذه المسائل النفسية والمسائل الجسدية، لأن سفر عشرين أو ثلاثين أو اربعين يوماً في الصحراء على الجمال، وبالشكل المعهود ينهك الجسم بالفعل ويتلف القوى. ومع ذلك نجد أن زينب (ع)، في كل خطبة وكأنها جالسة في البيت، وراء المكتب، تدرس وتراقب كل كلمة تلقيها. فلا تجد في جميع هذه الخطب كلمة بكاء، ولا الويل ولا الثبور، ولا كلمة خارجة عن الإعتدال أبداً. كل خطبة تبدأ بالحمد لله، والشكر له، والثناء لله، والحمد والمدح والصلاة على رسول الله، وعلى آل بيته، بكل منطق وبكل هدوء، ثم تبدأ سلام الله عليها، في كل خطبة تشرح القصة بشكل موجز ومثير، وتحرك الناس وتجعلهم يندبون ويتوبون ويتأثرون مما جرى. أما في مجلس يزيد فقد بلغت زينب سلام الله عليها القمة في الحديث. كما سمعتم، أكثر من مرة، في خطبتها التي ألقتها في مجلس يزيد، أمام الملك الطاغية المنتصر المغرور تقف ولا تبالي. هناك تعبير خاص بالنسبة إلى دخول زينب سلام الله عليها، إلى مجلس يزيد، أنها دخلت وعليها أرذل ثيابها. هذا التعبير يكشف تماماً عن وضعها الروحي، ووضعها الجسمي، وأنه زيادة على كل المصائب، هناك مشكلة اللباس الخَلِق. اليوم حينما يواجه الإنسان شخصاً، أو يواجه عدواً، أو يواجه ناساً ولباسه ليس مرتباً، فإنه يشعر بنوع من الإحتقار، أو نوع من الذل، أو نوع من الضعف. أما هؤلاء فبالرغم من كل هذا يعني أن جميع وسائل الضعف، كانت موجودة عند زينب، وجميع وسائل القوة كانت موجودة عند يزيد؛ الأسباب المادية. ما عدا سبب واحد، هو السبب الرئيسي في قوة زينب وفي ضعف يزيد؛ السبب إيمان زينب بالله وعدم إيمان يزيد بالله، وشعور زينب بأنها ملتزمة مع نفسها تقوم بالجهاد، تدافع عن سبيل الله، تؤدي الواجب، ويزيد على العكس تماماً. ولهذا، وبالرغم من كل هذه الأسباب، عندما نقايس بين كلمات زينب وكلمات يزيد، نجد أن زينب في أعلى عليين تتكلم مع شخص في أسفل سافلين، بكل أدب وبكل قوة وبكل حزم. في خطبتها فقرات يندهش الإنسان حقيقة لها، وليس للإنسان إلا أن يحترم ويكرم، ويقف متواضعاً أمام هذه القوة. بعد الحمد والصلاة، والتذكير بآيات الله وفلسفة الموقف. زينب تقف تفلسف المعركة أن كيف حدثت. كيف يقبل الله بأن يقتل الحسين وينتصر يزيد؟ تشرح وتفلسف بآية واحدة:'' ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادو إثماً ولهم عذاب مهين'' آل عمران/ 178 إنتصارك إنتصار مؤقت، إنتصار حتى تنكشف أمام الناس. أعطاك الله المال وأملى لك، وأعطاك فرصة حتى تبين ما في قلبك، ما في نيتك، حتى لا يكون لك عذر ولا للناس حجة، ولا لأحد بحث على ما يقوم به الله من عذابك، ومن خزيك في الدنيا والآخرة. تفلسف الموضوع بهذه الكلمات، وفي خلال الأحاديث تتحدث أحاديث غريبة. في الأثناء تقول هذه الكلمة العجيبة:'' ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك''، يعني أن مخاطبتك ليست شيئاً طبيعياً بالنسبة لي، وأنما الدواهي والمصائب الكبرى تجعلني أتحدث معك. ''ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك'' وتفرض علي المصائب أن أقف أمامك وأتحدث معك، لكن هذا لا يمنع من شعوري النفسي:'' فلئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستحقر قدرك وأستكبر تقريعك وأستكثر توبيخك''. ومع ذلك أنا أتكلم معك، لكن لا أعتبرك أهلاً للكلام وليس أهلاً للمخاطبة؛ وأكثر من هذا، لست أهلاً للتوبيخ والتقريع. الإنسان يؤنب ويوبخ الشخص الذي يكون قابلاً للتوبيخ، أما أنت فلست قابلاً للتوبيخ. ''وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأولياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء''. أنت يرجى منك الخير؟ أنت الذي عملت. هذا واقعك، هذه طبيعتك. أنت ابن هند التي نبت لحمها من دم الشهداء، ولفظ فاها أكباد الأولياء. فإذاً، بالرغم من كل هذه العوامل، نجد أن زينب كبيرة كبيرة أمام يزيد. وهكذا يريد الإسلام نساءً من هذا النوع، الإسلام لا يريد نساءً مسيرة الإمام السيد موسى الصدر محاضرات في العقيدة - المجلد الحادي عشر | |
|
أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: رد: بقلـــم الإمام القائد الخميس سبتمبر 25, 2008 4:33 am | |
|
الاسلام والتراث بسم الله الرحمن الرحيم ان من أهم بنود ميثاق حركتنا هو التراث، ولا شك أن أهم محتويات تراثنا العظيم هو رسالة الإسلام بظروفها وسوابقها ومقارناتها وتفاصيل الدعوة وسلوك صادعها عليه السلام. فالإسلام وتأثيره البالغ الخالد في أمتنا وفي العالم يطلبان من كل راغب في معرفة التاريخ والحضارة وكل ساع في خدمة الإنسان في العالم أن يستوعب هذه الظاهرة الفريدة في تاريخ الكون. ومن الطبيعي أن إستيعاب تفاصيل الإسلام بالنسبة لأفراد أمتنا وبخاصة لحركتنا المؤمنة ضرورة قصوى وحاجة لا غنى عنها. وسوف نحاول أن نوجز البحث الشامل في الإسلام في النقاط التالية مقتبسين في هذا البحث أسلوب القرآن المجيد نفسه، ذلك الإسلام الذي إستعمله الرسول ونجحت التجربة: 1. مفهوم الإسلام هو الإستسلام لله والتسليم له وهذا المفهوم له أبعاد رئيسية ثلاثة: أ. التسليم بالعقل وهذا يعني أن قناعتي ستوصلني إلى وجود الله وخلقه للكون وما فيه، فأن كنت مسلماً علي ألا أعاند منطق أفكاري لأن الصنع يدل على الصانع والخلق يدل على الخالق والوجود يدل على الواجد. ب. التسليم بالقلب والإقتراب من الله بالعاطفة القلبية، حيث يصبح وجود الله عز وجل، معايشة نفسية يحسها الإنسان في كل نبضة قلب، وفي كل شعور وإحساس، أنها الحالة التي تحدد الممارسة المخلصة من النفاق. فالمحب يقوم بالعمل المطلوب بكل طاقته ومن كل قلبه، يقبل ولا يدبر، يضحي لأنه يشعر باللذة الحقيقية في العطاء لمن يحب. ج. التسليم بالجسد وهو أداء ما أمر الله به، فحركات الجسد تكون إسلاماً إذا ما إقترنت بفعل الأوامر الإلهية كالصلاة والحج والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الظلم وخدمة الأيتام كلها تصرفات جسدية تعبر عن إسلام المرء إذا ما إقترنت بالإيمان. إذن، الإسلام هو تسليم العقل والقلب والجسد، بفهم الوجود وفهم دورنا فيه، والإرتباط برب الوجود، والإرتياح النفسي له ولكل ما يأمر به. فهو المعطي والمنعم وهو المجزي والمحاسب، عندها يكون سلوكنا منطلقاً من الوعي والمحبة فيؤتي الثمار الجيدة في الحياة، ونكون قد أدينا الدور الذي يرضاه الله: '' قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ''. )آل عمران/31) وعن رسول الله (ص) قوله: '' ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني إنما الإيمان ما وفر في القلب وصدقه العمل ''. 2. والإسلام هو دين الله الذي '' ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه '' )آل عمران/85) وقد دعا إليه الأنبياء جميعاً بدءاً بابراهيم ومروراً بالرسل جميعاً إلى أن ختمه وقدمه كاملاً واضحاً مضمون البقاء إلى الأبد. ويؤكد القرآن الكريم أن إبراهيم وإسماعيل كانا يقولان عند بناء الكعبة '' ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك '' البقرة/128 بالإضافة إلى أنه يعتبر الدين '' ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ''. ( الحج/78) ويتابع القرآن الكريم في إعتبار الإسلام دعوة نوح وموسى وعيسى حتى يعلن حوار المسيح بقوله: '' فلما أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا به وأشهد بأننا مسلمون ''. )الأنعام/52) فالدين واحد لأن مشرعه وهو الله واحد، ولأن الإنسان والكون والعلاقات بين الإنسان والكون، العلاقات التي يجب أن تنتظم وتنسجم مع الخلق، أقول ولأن الإنسان والكون والعلاقات منذ بداية الخلق في سلسلة مستمرة متصلة والأنبياء وهم سفراء الله يدعون إلى حقيقة واحدة وهي الإسلام. غاية الأمر أن الدعوة، وهي صناعة الإنسان، تتطور مع تطور الإنسان في وعيه وعقله ومشاعره وإحساسه بالمسؤولية شأنه في ذلك شأن الطالب الذي يدرس حقائق علم واحد بمستويات مختلفة مع تدرجه في الصفوف. وبهذا الطرح نجد إنفتاح الإسلام التام على الأديان وإحترامه لها وتأكيده على صدق الأنبياء إلى جانب إصراره على الإلتزام بالدعوة المحمدية وبالمنهج الأكمل الذي كان منهاجه الخالد للإنسان الذي بلغ في عهده مرحلة قبول الدين الكامل مع وضع أسس تضمن بقائه وتطوره الذاتي: '' اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً'. )المائدة/3) 3. والإسلام هذا بدأ بكلمة '' أقرأ '' رغم أن النبي الكريم لم يكن قارئاً، معتبراً مقارنة هذا الدين بالعلم، مضيفاً وجوب القراءة باسم الله الذي يصفه بالخلق وبأنه علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم. وعندما نعرف أن العلم هو معرفة الموجودات وأحوالها وصفاتها لدرك بوضوح توجيه الإنسان إلى هذه الحقيقة التربوية الكبرى: أن أحكام الدين وتعاليمه منسجمة كمال الإنسجام مع حقائق الكون وأوضاع الموجودات، وأن الإسلام الذي هو التسليم للخالق هو في نفس الوقت حقيقة العلاقات الصحيحة بين الإنسان وبين المخلوقات دون إنحراف أو مبالغة أو تقصير. فموقع الإنسان ( وهو أحد المخلوقات ) من بقية الموجودات بالصورة التي قررها الخالق وكيفية تعامله معها بالإضافة إلى موقعه من الخالق ومن نفسه، كل ذلك يتلخص في أحكام الإسلام. فالأحكام هذه حقائق وليست قرارات وقوانين وضعية متغيرة، وهذا أحد معاني كون الإسلام دين الفطرة '' فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله'' الروم/30، فالله وهو خالق الإنسان والكون، هو بذاته واضع الإسلام وشارعه والصلة بين هذه العناصر الثلاثة: الإنسان، الكون والإسلام وبين الله، صلة ثابتة أزلية أبدية، والصلات بين العناصر الثلاثة وتفاعلاتها هي التي تصنع التاريخ وتطوراته الصحيحة التي تستحق الخلود، وسوف نبحث إنطلاقاً من هذا المبدأ في صلاحية أحكام الإسلام لتوجيه الإنسان في جميع مراحل تاريخه وتطوراتها. وقد سبق موجز هذا البحث في محاضرة '' الروحية، الأصالة والتطور '' التي نشرت في '' أمل ورسالة ''. 4. والإسلام له أيديولوجية تتألف من ثقافة ومن إيمان وله أحكام تشمل تنظيم العلاقات التي سبق ذكرها وهي علاقة الإنسان بنفسه وبربه وببني نوعه وبالموجودات كلها. والأحكام بالنتيجة تضم الأخلاق والعبادات والمعاملات والسياسات ومع ذلك فالإسلام وحدة لا تتجزأ يؤثر كل قسم منه في أقسامه الأخرى كما سنبحث قريباً. الثقافة الإسلامية هي عبارة عن رؤية الإسلام المتميزة لله وللكون والحياة والإنسان، هذا بالإضافة إلى مسائل كثيرة تطرح في مختلف شؤون الحياة. الله، مقدار معرفتنا له، عدم إمكانية إدراك حقيقته، إدراكه بصفاته وبآثاره، حضوره الدائم، قيموميته للوجود وأنتهاء الوجود باشارته، صفاته، عدله، وعلمه، وصفات كماله، هذه المفاهيم جزء من ثقافة الإسلام. وكذلك مفهوم الملائكـة، الرسول، الجنة والنار، الإنسان، الحياة، الموت، العمل، المجتمع، الحلال والحرام ... مباحث من الثقافة الإسلامية أما الإيمان الإسلامي فهو إلى جانب إدراك معنى الله وصفاته وإلى جانب الإحساس من القلب به وبقيمومته وحضوره يحتاج إلى رؤية عقلية واضحة تحصل بالدليل وتتعمق بالعمل والممارسة. وكذلك يطلب الإسلام من المسلم الإيمان بصدق الأنبياء وبرسالتهم جميعاً، كما يطلب الإيمان بقناعة بعيدة عن التقليد بالمعاد. والحقيقة أن الأصول الأساسية للإسلام لا يقبل فيها التقليد أو الظن، بل أنها حقائق يجب إدراكها بالمعرفة العميقة التي تحصل من الدليل القطعي الواضح، ذلك لضرورة المعائشة الدائمة وفي جميع الأحوال معها فعندما بدأ الرسول بالدعوة العلنية قال: '' قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ''. هذه الخطوة الأولى تركز على نفي آلهة السماء والأرض والمال والجاه ونفي عبادة الذات، أنه الله الواحد الأحد. وألوهيته تعني القيمومة أي التأثير الدائم على الوجود. وهذا يؤدي إلى ضرورة بقائه وفعاليته، لا كما يدعي الإتجاه اليهودي من أن يد الله مغلولة بمعنى أنه خلق العالم وتركه ولم يعد له قدرة التأثير على موجوداته، تماماً كما يحدث للبناء الذي يبني عمارة ويكون مشرفاً عليها خلال فترة البناء ثم تبقى قائمة بحد ذاتها ويرحل عنها ثم يفنى وتبقى العمارة. وفي هذا يجابههم القرآن: '' وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ''. المائدة/64 هذا الرد نابع من كون الوجود لا يستقيم بذاته، إنما يحتاج للمشرف الدائم، الذي لا يخسر قدرته بخلق الوجود، لأن الإيجاد من العدم عملية خلق مستمرة تفقد فعاليتها بابتعاد واحدها. فإذا إبتعد الله ولم يعطِ الدفع المستمر ينهار كل شيء. ولتوضيح الصورة نعطي الأمثلة التالية: * الكهرباء تحصل نتيجة تناوب دفعات من الألكترونات، هذا التناوب يتهيأ لنا بأنه حالة مستمرة، فنرى النور مثلاً في المصباح دون إنقطاع مع أن دفعات الألكترونات ليست سلسلة متصلة ويفصل بينها مقدار زمني أقل من واحد على عشرة من الثانية بحيث لا تدرك العين هذا الفاصل. وهناك نظرية (كونت ) التي تعمم هذه الحالة على الوجود كله، أنه وجود مستمر باستمرار الدفعات التي تعطى له فلو توقفت هذه الدفعات التي تعطي الحياة لإنهار الوجود. * في التلفزيون نرى الصور المختلفة لوقائع مختلفة، فنرى الحرب، والفيلم الوثائقي، والمغامرات، والمقابلات والأخبار والدعايات، كل ذلك يكون بفعل الصور المتعاقبة بسرعة لا يدرك البصر الفاصل بينها ولكنها تتوقف جميعها إذا توقف التقاط الإرسال وذلك بكبس الزر، أو توقف الإرسال نفسه، أي يجب أن يبقى الإرسال والإستعداد لتلقي الإرسال. وهذه هي حال الوجود. إنه مستمر ما دام الإرسال الإلهي ـ بث الحياة في كل شيء ـ مستمر وإما إستعداد الوجود لهذه الحياة فهو عطاء من الله لو سحبه منا لما بقي مخلوق. إذن قابلية الحياة في الأشياء أوجدها الله وإستمرارية الحياة مرهونة باستمرار مشيئة الله إبقائها في الأشياء، لأن الحياة ليست قائمة بمعزل عن الله عز وجل إنما الإشراف عليها مستمر. ولكن يهيء لنا ذلك لأننا لا نرى الفاصل بين الوجود والعدم في كل لحظة من وجودنا وأن كنا نراه فجأة عند إستمراره في الموجودات. فالموت هو إنقطاع المدد الإلهي، والحياة هي إستمرار هذا المدد. فحتى تستمر الحياة التي يرتبط تفسيرها باستمرار وجود الله واهبها ـ لأنه يستحيل وجودها بدونه وبالكيفية التي أرادها ـ تصبح قيمومة الله وإشرافه الدائم على الوجود والحياة فيه أمر حتمي. باختصار: إرتباطنا بالله القيوم الخالق العالم يعزز إنسجامنا مع الوجود ويتمثل بارتباطنا بالإسلام دين الله لعباده، أنه يعني فهم دورنا ووجودنا فهماً شمولياً ينسجم مع قوانين الكون وبالتالي يؤدي إلى النتيجة الناجحة حتماً لأنها مرتبطة بالمقدمات السليمة. وقد كتب النجاح لهذه التجربة عندما تمسك بها المسلمون الأوائل ووعوا محتواها، ونستطيع اليوم أن نعيد هذه التجربة الناجحة بتعميق فهمنا لها، عنيت فهمنـا للإسلام ... مسيرة الإمام السيد موسى الصدر الوثائق - المجلد الاول
| |
|
أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: رد: بقلـــم الإمام القائد الخميس سبتمبر 25, 2008 4:34 am | |
| محمد رسول الله محطم الاصنام بسم الله الرحمن الرحيم
مند فجر الإنسان تحرك عقله نحو المعرفة، فذهب يلتمس المجهول في نفسه وفيما حوله، ويفتش عن الحقيقة تفتيشاً مضنياً خلال مراحل تحسب أعوامها بالآلاف. وكان أشد ما يقلقه ويستحثه على التفكير، الخوف على مصيره من الضياع. فقد كان يجد نفسه ضعيفاً في كون جبار يسلط عليه من أرضه وسمائه أعداء عماليق، وليس لشيء منها به قِبَل، كان الأمن والإستقرار حافزيه العميقين، وغايتيه البعيدتين وراء التحديق المذعور في معميات الطبيعة، ومن أجل تحقيق الأمن والإستقرار لم يكن له معدى عن أحد أمرين: 1. التغلب على الطبيعة. 2. أو إحداث مصالحة معها بطريقة ما. ولما كان عاجزاً في مرحلته تلك عن تحقيق الأمر الأول، خضع مرغماً إلى محاولة الأمر الثاني، ومن هنا رأيناه يخلق أوهاماً مختلفة ويعبدها فيما حكاه عنه التنزيل، وكما هو ثابت في تاريخ الأديان والمعتقدات. كان الجهل ـ وهو سبب مبرر يومئذٍ ـ سبباً لتعويق الإنسان عن مرتقاه أدهاراً طوالاً من مرحلة صنميته، ونقصد بها الأعم من النظام الوثني، فالجامع بين ما هو منحوت من صنع الإنسان، وبين الكائنات المعبودة من إجرام وأشجار وحيوانات، هو الوهم المخلوق في هذه الرموز مما تواضع عليه البشر لتحصيل الأمن والرضى على حساب الخداع، إسكاتاً للعقل كما نسكت الأطفال باُلهية. ففي تلك المرحلة الطويلة المرهقة، إنحنى الإنسان بغريزة الخوف أمام الكائنات الطبيعية كالشمس والقمر،وإنحنى رجاء الرزق للضرع والشجر، وإنحنى بعد ذلك لمنحوتات جسَّد بها أخيلته في تماثيل ترمز إلى آلهته، ونصبها في هياكل قريبة منه ليلجأ إليها فيما يخشاه أو يرجوه. ولقد عوقته أصنامه هذه في صدد العلم وإدراك حقائق الأمور،ذلك لأن قدسيتها في نظره كانت تحول دون التفكير بماهيتها وكنهها، وكان يكتفي من تعليل الأحداث بأنها إنما تجري طبقاً لإرادات علوية، فإذا وجب عليه إحترامها فأنه أقل من فهم أسرارها. وعلى هذا القياس كان لا يجرؤ على الإستقامة تحت سياط طبقة من الناس، كان يؤمن بأن لهم قداسة الآلهة. كان يؤمن بأن الأوضاع نهائية مستقرة لا يمكن تغييرها، وأن النظم المقدسة هي التي تخلق له مشكلاته، وتتلاعب بمقدراته، وإذا لا يملك معها من أمر قدَره شيئاً فهو يتقرب إليها بحسب تعاسته فيها، وشقائه بها. وكان النظام الوثني هذا يمكَّنُ لأصنام من البشر كطبقات السادة والأشراف من ملوك وكهنة وأغنياء. وكان، إلى هذا، يؤمن بكل خرافة، ويبنيها على فلسفة سخيفة ترتبط بظواهر الطبيعة، فإذا كان القمر مثلاً في برج العقرب تطير وجمّد حركته خشية شر يصيبه به الله،لأن الله آنذاك يكون مضطرب المزاج، معرضاً لأزمات عصبية،أستغفر الله. وكان يعبد أصناماً من العادات والتقاليد هن أثقل قيوده وأغلاله، وأبلغها أثراً في جموده وتأخره. وكانت ذاته، ولعلها لا تزال، أعظم أصنامه على الإطلاق، كان يعبدها فلا يرى الأشياء إلا من خلالها، الحق ما حقَّته وإن كان باطلاً، والباطل ما أبطلته وإن كان حقاً. ******************** كذلك كان الإنسان في فلوات التاريخ، وعلى هذا النحو بدأ يتكون مجتمعه، وكان من فضائله ـ وله في تلك الأدوار فضائل ـ أن كان يعي تجاربه، وينتفع بنتائجها، ويتطور تدريجاً وفق قوانين حتمية نراها نحن آلهية، ويراها غيرنا مادية. ولما ظهرت الفلسفة مختمرة ناضجة، نادى الفلاسفة بتحرير الإنسان من أغلاله، ودعوا الناس إلى تحطيم أصنامهم المنوعة. ولكن الفئات الرجعية من تجار العقائد رمتهم بالإلحاد والزندقة، فأبطلت مفعول دعوتهم بعزلهم عن الناس، وساعد على الفلاسفة أنهم يخاطبون العقول لا القلوب وليس في الناس إلا قلة تتأثر بهذه اللغة، وتستجيب لها. من هنا كان لا معدى عن تدخل الله الحق سبحانه في عملية التطوير الإجتماعي وتصعيده في درجات الكمال، وأمر الرسل عليهم السلام يختلف، في التأثير عن أمر الفلاسفة إختلافاً تاماً ذلك أن الرسل يواجهون عقول الناس في إطار من وجداناتهم، والدين، كما يعرفه ذوو الإختصاص إستيحاء من النبي 1: فطرة تربط الإنسان بخالقه فكان الإنطلاق بالدعوة من هذه الفطرة. من هذا الشعور أكبر عوامل النجاح في رسالاتهم الحق، وكان الإرتباط الغريزي بين الإنسان وربه يسهل من مهمة الأنبياء ما لا يسهل مثله من مهمة الفلاسفة. بحين يجد هؤلاء أنفسهم في العراء بارزين للشمس، يكون أولئك سلام الله عليهم في حرم مشاعر الناس الأصيلة، فإذ قسوا عليهم حرصاً على إرث أو تقليد سلكت الدعوة إلى نفوسهم من زاوية الإيمان بالله. ******************** رسالات الأنبياء جميعاً تنتظمها وحدة لا تختلف إلا بالأعمار: أدوار الأعمار في ميزان لنشوء والإرتقاء ولا يختلف الأنبياء في مختلف الأدوار والمراحل بجوهر الثورة على الأصنام بكل أشكالها، فهم قادة محررون كما نفهم القيادة والتحرير اليوم بأدق معانيهما. ولا غلو إذا قلنا: أن النبي محمداً (ص) أعظم الأنبياء، وأن ثورته أعظم الثورات، فذلك وصفها الواقعي بحكم النتائج والسنين. ولنقس عظمته في هذه الكلمة ببعض أعماله البطولية في تحرير البشر من القيود والأصنام، متجهاً نحو عالمه الأفضل. أولاً: أسس النبي (ص) دعوته على التوحيد في دنيا تتوزعها أهواء، نحتت لها آلهة حمقاء ذوات هوايات عجيبة في التمزيق والإذلال والتجهيل، ولقد لقي في دعوته التحررية ما عبرعنه ـ وهو المضحي الصبور ـ بقوله: ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت. وظل يناضل في سبيل تعميق هذا الأصل الجامع من رسالته منذ بدء الدعوة بإرذال الشرك، وتقبيح الصنمية حتى توج ظفره الأغر يوم الفتح، فرفع علياً فتى الإسلام على كتفيه، وأدال الله له منها. بسط علي يومئذٍ راحتيه العظيمتين تحت كبيره '' هبل'' الأعور المرقع 1 واقتلعه من جذوره واتبع به صغاره مزيلاً بإزالتها نظام الشرك. وما إقتصر النبي (ص) في محاربة الشرك بإزالة المظاهر، بل غزاه في حصونه من النفوس والضمائر فطهرها من هواجسه ووساوسه. يقول: ''ان الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء''. فأي باعث أدعى من حس الخطر هذا إلى تتبع الشرك وإقتصاص أثره في مسالكه المظلمة وأعشاشه الخفية؟ وأية قوة هي القوة المطلوبة لحس كهذا يكافح خطراً يكمن في جنبات الصدور، وقرارات الأنفس. وفي السنة التاسعة للهجرة، أرسل بعثاً مؤلفاً من علي وأبي بكر إلى اليمن بآيات من سورة البراءة فأعلن الوصي بإسم النبي حرباً في سفارته تلك ضد الإلحاد لا هوادة فيها، وأنزل الشمس والقمر من عرشهما الإلهي إلى مستوى العبودية، موضحاً أنهما وغيرهما من الكائنات مسخرات بأمر الله لما شاء لهما من خير ونفع يعود أكبرهما إلى الإنسان. لم يهن النبي في دعوته هذه، ولا لان لا على إغراء ولا على تهديد، وإنما قابل هذا وذاك بالشموخ الذي يبرزه قوله: ''والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أموت دونه. عجيب ما رواه الطبري وإبن حجر من أسطورة ( الغرانيق ) فهي مما يكفي في فضحها أن تقابل بدعوة النبي وسيرته. رووا أن عبء الإضطهاد ثقل على المسلمين في السنة الخامسة من بدء الدعوة حتى أمر النبي جماعة منهم بالهجرة إلى الحبشة، وأن النبي كان يتمنى في نفسه أن يؤمر بآية ترخصه بمجاملة الطغاة من أصنام قريش، فنزلت سورة النجم، وتلاها النبي على جمهور من الناس فلما وصل إلى هاتين الآيتين: ''أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى القى روعه، فجرى على لسانه: ''لك الغرانيق العلى، منهن الشفاعة ترتجى''. ففرح المشركون إذ رأوه يحترم آلهتهم، ويشركها بالأمر. رووا: وأنه ندم ليلاً بعد خلوة إلى الوحي، وأسف، وأنكر ما جرى على لسانه، وأعادها جذعة. وإليك مبطلات هذه القصة بإختصار: أ. في سند روايتها من لم يكن مولوداً زمن تنزيل سورة النجم كمحمد بن كعب إذ ولد قبل وفاة النبي بعامين، وفيهم من كان مهاجراً إلى الحبشة كمحمد بن قيس، ولم نعثر على راوٍ واحد حضر الحادثة. ب. البخاري والدرامي وغيرهما من المحدثين وأهل السير رووا سجود النبي في سورة النجم دون أن يعرضوا لأمر الغرانيق. ج. نص القاضي عياض وتبعه الفقهاء والمحدثون على أن قصة الغرانيق إنما هي من إختراع الزنادقة. د. ولندع كل ما تقدم فالرجوع إلى القرآن نفسه يثبت بطلان القصة، فآيات السورة نفسها صريحة بالسخرية من اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى؟! يقول:''أن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، أن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى'' (النجم /23) فكيف يجتمع هذا مع قصة الغرانيق؟. وفي مطلع السورة يقول الله: ''والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * أن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى.'' (النجم / 1 ـ 5) ثانياً: حرّر الناس من الوهة موهومة، حرر الفكر لأول مرة على وجه أفضل في تاريخ البشر،فشق من حطام الأصنام طريق العلم، إذ لم تعد البحار والجبال والكواكب مناطق محرمة لا يقترب الفكر منها إلا راسغاً بأغلال ثقال من قدس وغموض، ومن ثم دفع المسلمين إلى طلب العلم كي يستخدموه ويخضعوه لخير الإنسان، ودعا إلى فتح مغالق الطبيعة بالتأمل والتجربة، وأمر بطلب العلم ولو بالصين، وبالدأب والمثابرة ''من المهد إلى اللحد'' فقطع لطريق على الشعوذة والتخريف وأخذ البسطاء بالعقائد المبهمة المغلفة بإطارات التقديس والرهبة كما كانت الحال في أوروبا التي أذاقت العلماء والمتحررين أشد النكال في القرون الوسطى، وليس حديث غاليلو وكوبرنيك وديكارت ومئات أمثالهم ببعيد عن الأذهان. ثالثاً: حطم، من أجل عالم واحد ومجتمع أفضل، سائر القيود في إستيعاب مبكر فريد. فأعلن، أولاً،أن النظام الفاسد إنما هو أثر مباشر من عمل الناس وسلوكهم، ولو شاؤه أفضل مما هو لكان. قال:'إ'ن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم'' (الرعد /11) وقال:''ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون'' (الروم / 41) وصرح، ثانياً، بوجوب الثورة في وجه الطغيان كلما هبت رياحه، ودعا إلى مقاطعة الطغاة والظالمين. قال:''ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون.(هود / 113) واشترع، ثالثاً، المساواة في الحقوق والواجبات فلا طبقات ولا تمايز إلا بالعلم والعمل والتقوى في تدرج تنظيمي لا شأن فيه للدم والثروة ولا إعتبار. الملوك والزعماء كغيرهم أمام الله ''لا يقدرون على شي''. ''قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء، وتذل من تشاء''.(ال عمران / 26) ولنذكر المعري بالرحمة إذ قال: وكرّهني إلى الرؤساء كوني وإياهم لخالقنا عبيدا وقد تجمل الإشارة إلى التشديد على الأغنياء في صدد تحطيم صنمية المال إذ تمنى مفتونون من عبيد المال لو نزل الوحي على قارون العرب الوليد بن المغيرة أو زميله عروة بن مسعود الثقفي. يقول القرآن:''وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم'' (الزخرف 31/32). وتحدى، رابعاً، آلهة الشرك من حجر وبشر بما يظهر ضعفها وسخفها تحدياً ملحاً نجح في إسقاط إعتبارها. قال:''يا أيها الناس ضرب لكم مثل فاستمعوا له وأن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب''.(الحج /72) ولعل أبلغ ما يروى عنه (ص) في حل عقد الخوف من نفوس الجماهير،وإسقاط الهيبة من أذهانهم لغير الحق، أن أعرابياً تاه فنخع له معظماً كما يفعل العبيد بين يدي الملوك، فقال له متلطفاً به:''إنما أنا إبن إمرأة من قريش كانت تأكل القديد''. ولم يكن موقفه، خامساً، من التطير والتفاؤل والتنجيم بأقل عنفاً من مواقفه في محاربة غيرها من الأوهام. لقد نهي في بعض الغزوات عن المسير إلى الحرب بناءً على''طالع نحس'' فسار وقلبه طالع سعد،وكان يقول:'' لا طيرة ولا عدوى'. ويقول:''لا تعادوا الأيام فأنها تعاديكم''، ويقول: ''من آمن بحجر حشره الله معه''. واتخذ، سادساً، من العادات والتقاليد الموقف نفسه، وأبرز كونها خاضعة للتطور فلا ينبغي أن تتحجر وتتأله، وضرب بنفسه المثل في الخروج على أشدها حرجاً وخطراً بتشريع إسلامي سمح في حادثة زيد ربيبه وزينب بنت جحش إبنة عمته. ويحسن الرجوع إلى تفسير الإمام الشيخ محمد عبده وغيره من المراجع للإطلاع على تفاصيل حكمة التشريع في هذه الحادثة الجريئة على صنم العادة. رابعاً: بقي الصنم الأكبر،ألا وهوا''الأنانية'. من المعروف أنه سمى التحرر منها الجهاد الأكبر، وفي القرآن الشريف:''افرأيت من إتخذ آلهة هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون'' (الجاثية / 23) عليك سلام الله ـ أبا القاسم ـ ورحمته وتحياته،لقد عبدت الطريق إلى فردوسك المنشود،وأتيت بقوة قائد ماهر على معوقات البشر عن بلوغه بإستئصال آفات الحركة، وأرهافها في سواء القصد. فألهمنا أن نتحرك بقواك في طريقك المشقوق، وخذ بأيدينا من يومنا هذا لنتحرر من أعدائنا. . مما حررت الإنسانية منه في يومك. هدانا الله بيمنك. 1 من الصحيح المأثور عنه (ص): ''كل مولود يولد على فطرة إلا أن أبويه يهودانه وينصرانه ويمجسانه''. 1 في المثيولوجيا أن ''عمروا' حاكم مكة قبل قريش إستقدمه من حوران وكان متآكلاً أعور مقطوع اليد، فرممه ونصبه كبير الآلهة في مكة.
مسيرة الإمام السيد موسى الصدر الوثائق - المجلد الاول | |
|