أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: رسالة سماحة الإمام السيد موسى الصدر الى اللبنانيين بمناسبة ذكرى عاشوراء (1/12/1977 الخميس سبتمبر 25, 2008 4:15 am | |
| السيد موسى الصدر - خطابات رسالة سماحة الإمام السيد موسى الصدر الى اللبنانيين بمناسبة ذكرى عاشوراء (1/12/1977) بسم الله الرحمن الرحيم، أيها اللبنانيون.. في هذا الوقت من السنة 61 هـ، أي قبل 1337 عاماً، كان الحسين بن علي وفاطمة (وسبط الرسول الأعظم محمد "ص") قتيلاً مع جميع أهله وأصحابه، وكانت أجسادهم المحطَّمة على أرض كربلاء عرضة لهبوب الرياح الساخنات مكشوفة لإشعاعات الشمس المحرقة ولجولات الرمال المتحركة، بينما كانت عائلته وعائلة كل من كان معه تستعد للسبي والرحيل في أقسى الظروف الى البلاد النائية.. وفي هذا الوقت، وفي المكان نفسه.. كانت تنبت رايات الثورة العاتية التي ترعرعت ثم عصفت بحكم الطغاة وزلزلت عروشهم فاجتثّت آثارهم الأرض والتاريخ.. لم تكن هذه الثورة التي انطلقت من كربلاء وعمّت الأنفس وانتقلت الى الآفاق القريبة والبعيدة إلا بعض آثار استشهاد الحسين، وإلا شعلة محددة من المشعل الحسيني الذي انتصب بعد منتصف القرن الهجري الأول.. إنّ الساحة الحقيقية التي وُلدت فيها معركة عاشوراء هي ساحة القيَم الإنسانية التي لا تنفصل عن الإيمان، أما أبعادها فتمتد مع الإنسان ومع حياته أينما كان ومتى يكون، تُحطّم جدران سجن ذاته، وتربط بينه وبين بني نوعه، وتخلق منه وجوداً كبيراً يفوق حدوده الزمانية والمكانية ويتجاوز قدراته وكفاياته.. والحسين باستشهاده صان القيَم، وبموته أحياها، وبدمه أبرزها ورسمها على جبين الدهر، ثم أدخلها في أعماق القلوب والعقول بعدما هزّها وفجّرها بالفاجعة.. إنّ الإنسان المعاصر للحسين كان يعيش أقصى درجات الانحراف العام الذي بدأ بانحراف الحكم ثم امتد الى كل قطاعات المجتمع وانتقل أخيراً الى النفوس وهزَم الضمائر أو سخّرها أو اشتراها أو سيطر عليها.. الخلافة المسؤولة أصبحت المُلك الموروث الذي يحكم بما يشاء ويفعل ما يريد، والجهاد الذي كان باباً من أبواب الجنة تحوّل الى مغامرة تجلب الأرزاق، و(تحوّل) الى باب للارتزاق.. الأموال العامة انتقلت من بيوت المال الى خزائن السلطان، والمراكز تحولت من الأكفّاء الأتقياء الى أزلامه. لا قيمة للإنسان ولحريته ولحياته عندما يغضب عليه الحاكم، وقد يُقتل بمرج عذراء أو ينفى الى الربذة.. تجري هذه الأحداث والمنكرات والبدع وتتكرر ولا تجد أمامها معارضاً أو معترضاً أو متسائلاً على الأقل. أما في هذه السنة، وفي لبنان، فإنّ الذكرى تأخذ أبعاداً جديدة أخرى هي من طبيعة التفاعل بين التاريخ والجغرافيا في القضايا التي ترتبط بحياة الإنسان العامة، فبعد المحنة الداخلية التي استشهدت فيها القيم، القيم التي أحياها استشهاد الحسين، كيف يمكن (بعد ذلك) معايشة الذكرى ومعانيها والاقتباس منها؟ وتقابل هذه الناحية السلبية نقطة إيجابية، وهي لبنانية أيضاً، وعلى رغم بُعدها العالمي فقد اقتربت ذكرى استشهاد الحسين من يوم ميلاد الفادي المسيح، اليوم الذي يدفع القيم الروحية السامية على رغم الحدود المادية، ذلك اليوم المليء بمعاني السلام، بل يوم السلام نفسه.. ومن جهة ثالثة: تقع هاتان المناسبتان بين بداية السنة الهجرية والسنة الميلادية، وكأن البداية لتاريخ لبنان الجديد والتي تضمخت بدماء الشهداء قد تمخضت عن ولادة السلام والمجد الإلهي.. هذا المناخ يُبعد عنا التشاؤم مهما ألحّ علينا بسبب القيم التي تساقطت في أرضنا العزيزة الى جانب أجساد الأبرياء الأعزاء، وبسبب التطورات المثيرة الحديثة في منطقتنا والتي تشير الى إرهاصات واضحة لصراع الكبار ولانفجار الحرب الباردة بينهم في هذا الجزء من الأرض.. ثم إنّ المواجهة في معركة غير متكافئة في السلاح والعتاد وفي المسلك والانسجام (والتي كان أحد آثارها الخلافات الداخلية) تملأ الساحة العربية لتمكّن الحرب الباردة تلك من تحقيق أغراضها.. ها نحن عشية الذكرى، وكأنها التذكير الخاص من الله: خالق الأيام ومدبّرها، ومرسل الرسل وشرائعهم، تذكير لنا في لبنان، يعلّمنا كيف نعالج محنتنا، نضمّد جروحنا، نوحّد صفوفنا، ونجبه أحداث المنطقة.. إنّ العناية الإلهية ترسم لنا الخطة بالذات بنداً بنداً: التضحية بالآراء، بالمواقف، بنتائج الأحداث، وحتى بالمصالح الذاتية والفئوية.. لنحيي القيم، فهي وحدها تجمع وتوحّد وتوسّع وجود الإنسان وتخلّده، ومع التوجّه الى حياة القيم يولد السلام في الآفاق والأنفس، في السماء والأرض والناس.. والسلام هذا لقاء تاريخي محتوم بين المسيحيين والمسلمين، لأن اللقاء كان تاريخياً محتوماً بين الإسلام والمسيحية، وعندما تظهر الصهيونية في الأفق تكشف عن أنيابها وتمد أصابعها، لا لكي تسعّر نار الطائفية في بلدنا وفي منطقتنا فحسب، بل لكي تحوّلها الى مخازن التفجير ومواطن الدويلات الطائفية، ولا لكي تشوّه الدين السماوي الذي نحترمه ونقدّس رسوله الأمين فحسب، بل لكي تلعب بتراث المسيحية والإسلام معاً وبتاريخهما وحضارتهما وثقافتهما وقيمهما مرة أخرى.. والفارق الكبير هذه المرة أنّ التلاعب الذي قامت به (الصهيونية) في تاريخها الطويل وفي تاريخنا الطويل كان صادراً عن أفراد ومؤسسات، أما هذه المرة فالمتلاعب دولة تستقطب جميع الأفراد والمؤسسات، وتستعمل كل التجارب السابقة، وتستعين بالمضلَّلين في العالم (وهم الكثرة الساحقة من البشر).. إنّ ذكرياتنا هذه السنة، وفي لبنان على الأخص: تحمل إلينا البشارة الإلهية، وتتلو علينا الآيات الكريمة التي تؤكد أنّ أقرب الناس الى المسلمين هم المسيحيون، وأنّ اليهود الصهاينة والمشركين هم الأبعد، وتأمرنا بالتضحية ليولد السلام والحب والقيم، و(تأمرنا) بالتضامن الوطني التام لنصون وطننا وجنوبنا الحبيب المهدد، و(تأمرنا أن) نقدّم كل ما نملك أمام الأخطار المحدقة بنا، (وتأمرنا أن) نحمي ظهر أشقائنا الذين أبوا إلا أن يأخذوا السلام العادل الشريف، لا أن يعطوا السلم الإسرائيلي المشبوه.. ونوجّه أخيراً إخواننا الذين يتصدون لتحرير الأرض، والذين يتصدون للقضية العادلة، نوجههم في العصيب هذا الى التفرغ لتحرير الأرض والقضية العادلة، فنقدّم لهم عند ذلك حبّات قلوبنا وثمرات عقولنا وجهدنا ودعائنا.. فيا أيها الاخوة.. الى التضحيات.. الى السلام.. الى الوفاق الوطني.. الى القيامة اللبنانية والتصدي لكل ما يحول دونها او يشوهها أو يخنقها | |
|