أبو طوني أسد الجنوب
عدد الرسائل : 576 العمر : 34 الموقع : الجنوب-النبطية تاريخ التسجيل : 06/05/2008
| موضوع: كلمة لسيد موسى الصدر في الزرارية.......... الخميس سبتمبر 25, 2008 3:55 am | |
|
الموضوع : كلمة ـ تأبين الصحافي كامل مروه المكـان : الـزراريــة ـ 31/5/1966 المناسبـة : ذكرى أسبوع الصحافي كامل مروه
ـ الــنـــص ـ
رحمك الله يا أبا جميل، لقد كنت عبقرياً فذاً في موتك، بعد أن كنت عبقرياً فذاً في حياتك.
مت وأنت في ساحة الصحافة، ووقعت صريعاً في محرابها.
إن الصحافة أيها الإخوان محراب لعبادة الله وخدمة الإنسان.
وإذا لم تقم بواجبها فهي مخدع للشيطان وخراب الإنسان، الصحافة من أهم ميادين الصراع أدقها، لأنها هي التي تكون الرأي العام، وهي التي تساعد على خلق الثقافة , وتهيئ غذاء الأرواح، وتخلق مراحل جديدة لتطور الروح، وهي التي تهذب العاطفة في الجماهير، وتوجهها إلى الخير والحق، والصحافة بمراقبتها وتوجيهها للمجتمع وأعمدة المجتمع بتوجيهها للدولة والحكومة والمؤسسات وبمساهمتها في تنظيم الاقتصاد، إنما تنظم مجتمع الإنسان تنظم بيئة الإنسان، فهي خادمة للمجتمع والإنسان والفرد معا وعلى هذا فإنها دعامة من دعامات تكريم الإنسان.
إن الصحفي يستطيع خلق المجتمع الصالح، فهو حينما ينشر مقالة أو يكتب تعليقا أو ينشر صورة أو يبرز عنوانا أو يفسر حدثا فإنما يهدف بعمله إلى توجيه الفرد وتوجيه المجتمع وبإمكانه أن يكون أبا مرشدا مخلصا، وموجها حكيما، كما أن بإمكانه أن يكون خائنا أو مضللا أو محرفا للكلام عن موضعه.
الصحافة، أيها الإخوان من أهم ميادين الجهاد، ومن أهم عوامل تكوين الإنسان المدني وهذا المقام العظيم للصحفي يفرض عليه واجبات نحو المجتمع، ويعطيه حقا على المجتمع. أن واجبه نحو المجتمع أن يخلص توجيهه وتنويره ونصحه، ولكن حقه على المجتمع هو أن يعطيه الحرية، ويصونه ويحميه.
والحرية أيها الاخوة، هي أفضل وسيلة لتجنيد طاقات الإنسان كلها. ولا يستطيع الفرد أن يخدم في مجتمع لا تسوده الحرية، ولا يستطيع أن ينطلق بطاقاته وينمي مواهبه إذا أعوزته الحرية، والحرية هي اعتراف بكرامة الإنسان، وحسن الظن بالإنسان، بينما عدم الحرية إساءة ظن بالإنسان، وتقليل من كرامة الإنسان.
الحرية هي حق للصحفي من المجتمع الذي يعيش فيه. انها خدمة له ليعمل، وهي خدمة للمجتمع ليعرف كل شيء، وهي بعكس ما يقال لا تحد أبدا، لا نهاية لها، إنها هي الحق، إنها من الله، وإذا أردنا أن نحدد الحرية فنقول أنها هي تحرير الغير، وتحرر من الشهوات، وتحرر من الناس، لأن الحرية التي تصطدم بحرية الآخرين عبودية للنفس، ومتابعة للشهوات. الحرية جهاد، إنها الجهاد الأصغر الذي عناه النبي الكريم، إنها جهاد الأجنبي، وجهاد النفس، هي التحرر من الشهوات، ليكون رأي الصحفي ناصحاً، صادقاً، صافياً، فحق الصحفي على المجتمع أن يؤمن الحرية له، ويوفر له الاطمئنان لئلا يقع تحت مغريات وضغط مختلف الألوان.
الصحفي أيها الإخوان لا يهان، لا يحارب بالضغط، الصحفي لا يحارب بالفقر، الصحفي لا يغتال.
الاغتيال أسوأ الأساليب وافشلها في خدمة الهدف، أي هدف كان، كان رسول الله (ص) يقول : "الإيمان قيد الفتك" ، ويقول :"المسلم لا يغدر، مهما كان عوض الغدر". إن مسلم بن عقيل امتنع في الكوفة من اغتيال عبيد الله بن زياد، رغم انه كان بإمكانه اغتياله في بيت ليس فيه أحد، امتنع مسلم عن الاغتيال، وتحمل مسؤوليات كثرة ونتائج فظيعة بما فيها قتل الحسين. إن الغاية لا تبرر الاغتيال مهما كانت الغاية عظيمة.
الغدر جريمة في الدين، جريمة عند الضمير، جريمة في منطق السياسات.
الاغتيالات تعكس على المجتمع نتائج خطرة لا يمكن حصرها، فالخلافة الاسلامية التي كانت رسالة نور ورحمة، وخدمة وتفاعلا مع الشعب، وتحملا لكافة المسؤوليات، هذه الخلافة النيرة الموجهة، ضعفت بعد الاغتيالات التي أصيب بها رجالها الكبار، وفي مقدمتهم الإمام علي (ع) في محرابه، هذه الاغتيالات بدلت وجهة الخلافة عن الطريق السليم.
لقد دخل الخليفة إلى المقصورة واحتجب عن الناس، فتحولت الخلافة إلى ملك عضوض وتحول الحاكم إلى مالك، وتحول بيت مال المسلمين إلى خزانة الحاكم، وتحول الجيش المدافع عن الوطن إلى الحرس الخاص بالحاكم فالاغتيال يبعد الحاكم، ويبعد القادة، ويبعد المخلصين من الشعب، وفي هذا الاحتجاب يكون الخطر الأساسي على المجتمع، لأن الحاكم لا يطلع الإطلاع المباشر على الناس، ولا يسمع شكواهم، ولا يهدي ضالهم، ولا يقوم معوجهم، فيقع في حاشية يتملقون له، ويصبح سجيناً لهم، ويبتعد عن الذين يمحصون أخطاءه فينحرف ويطغى ويستبد.
هذا الاحتجاب يخلق جواً من الأوهام في نفوس الشعب، فيظنون الحاكم من بضاعة غير بضاعتهم، ويسيئون الظن به، أو يجعلونه صنماً يعبدونه من دون الله، وفي كلا الحالين تكون الثقة معدومة، وفي ذلك تحقير للمواطنين، واعتبار انهم محكومون، وان الحاكم هو السيد، وفي كلا الحالين انحراف وجميع هذه المآسي وردت في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك بن الاشتر، حينما منعه من التحجب عن الناس.
الاغتيال، أيها الأخوة، ظاهرة اجتماعية خطرة، لأنها تمنع الشعب من التفاعل مع قادته وهي ظاهرة خطرة لان المحاكمة والحكم والتنفيذ تكون في يد شخص واحد، قد يكون مخطئاً، فإذا انفتح هذا الباب فلا يمكن للمجتمع أن تسوده العدالة.
وان من الواجب على حماة المجتمع لو كان في المجتمع حماة، أن يعالجوا ظاهرة الاغتيال علاجاً قطعياً جذرياً.
رحمك الله يا أبا جميل.
لقد مت، ولكن الموت أبداً ليس فناء، ولا انعداماً، الموت عند المؤمن تحول من الأرض إلى السماء، من المحدودية إلى اللامحدودية، الموت تحطيم للقيود، ألسنا نؤمن بالقرآن الكريم الذي يقول : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ) فالموت خلق لا انعدام، ولا حياة إلاّ بعد الموت، إن ظاهرة الموت ثم الحياة حقيقة التحول والتطور والتكامل، لا تحول إلاّ مع الموت، ولا تكامل إلاّ مع ترك الإنسان للمرحلة التي يعيش فيها، إن تحول الخلايا الجسدية في إنسان إلى الفكرة لا يمكن أن يكون إلاّ بعد الموت من الحالة الحاضرة، الموت سبيل الكمال، الموت مقدمة للتحول، الموت خلود، الموت سبيل لانكشاف الحقيقة.
رحمك الله يا أبا جميل، وأعطى أهلك وذويك وزملاءك ومحبيك ومواطنيك ووطنك الصبر الجميل، وألهمهم أن يخلقوا من موتك حياة فضلى.
والسلام عليكم
| |
|